مساعٍ كبيرة بذلها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، للسيطرة على نشاط الفصائل المسلحة ووقف هجماتها ضد القوات الأمريكية، لكنه حتى اللحظة "أخفق" في إتمام المهمة العسيرة كما رأى مراقبون، في ظل تصاعد عمليات استهداف القوات العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا.
ورغم زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لبغداد، وذهاب السوداني إلى طهران، إلا أن المعادلة وضعت الأخير في حرج كبير أمام المجتمع الدولي، وفقا للمراقبين، الذين أكدوا أن الرد العسكري الأمريكي سيكون قريبا و"نوعيا" في حال استمرت عمليات الاستهداف.
ويقول المحلل السياسي، أحمد الشريفي، إن "استمرار عمليات قصف الفصائل المسلحة للقوات الأمريكية، يدل على إخفاق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في كبح جماح تلك الفصائل والسيطرة عليها، وهذا يضعه في موقف لا يحسد عليه أمام الجانب الأمريكي وعموم المجتمع الدولي".
ويضيف الشريفي، أن "استهداف الفصائل للقوات الأمريكية بعد زيارة السوداني لطهران، يثبت فشل الزيارة بتحقيق أهدافها، وأن الجانب الإيراني لم يمارس ضغوطا تذكر على الفصائل لوقف عملياتها ضد الأمريكان، بل جاء الرد الإيراني عبر المرشد الإيراني عندما التقى السوداني، حين شدد على ضرورة استمرار الضغط على أمريكا".
ويتابع أن "استمرار الفصائل في عمليات استهداف القوات الأمريكية، سوف يدفع واشنطن إلى اتخاذ قرار الرد على تلك الهجمات، وسيكون عسكريا ونوعيا من ناحية الاستهداف".
وتم استهداف قاعدة حرير التي تتواجد فيها قوات أمريكية في أربيل، والقاعدة الثانية بنفس الاسم في مطار أربيل، من قبل الفصائل المسلحة بطائرات مسيرة مفخخة، بعد يوم من عودة السوداني من طهران.
يشار إلى أن الفصائل المسلحة في العراق، دخلت على خط أزمة غزة منذ البداية، وعادت لاستهداف القواعد الأمريكية في بغداد وأربيل، فضلا عن الموجودة في الأراضي السورية، ويجري الاستهداف بشكل يومي عبر الطائرات المسيرة.
يذكر أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عقد في ساعة متأخرة من ليل الاثنين الماضي، اجتماعا مغلقا مع قادة الإطار التنسيقي، ركز على مناقشة التحذيرات الأمريكية التي نقلها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن خلال زيارته إلى بغداد.
وجاء الاجتماع بعد ساعات من عودة السوداني من زيارة سريعة إلى طهران، والتقى خلالها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والمرشد الإيراني علي خامنئي.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أبلغ السوداني، خلال زيارته لبغداد، بأن واشنطن سيكون لها رد عسكري على هجمات الفصائل المسلحة ضد أهدافها ومصالحها، خصوصاً بعد إخفاق بغداد بمنع تلك الهجمات رغم التحذيرات الأمريكية خلال الأيام الماضية، وأن السوداني وعد بلينكن، بأن الحكومة العراقية ستعمل على منع تلك الهجمات، وأنه زار طهران على هذا الأساس.
من جهته، يؤكد المحلل السياسي محمد علي الحكيم، أن "السوادني، أثبت وبالدليل القطاع بأنه غير قادر على ضبط تحركات الفصائل المسلحة، خصوصا الفصائل غير المشاركة في حكومته، والتي ليس لها أي تمثيل سياسي أو برلماني، لذلك فإن عمليات تلك الفصائل مستمرة ضد الأمريكان".
ويلفت الحكيم، إلى أن "استمرار الفصائل في قصف القوات الأمريكية، بعد زيارة السوداني لطهران، يؤكد أن إيران لا تريد إيقاف تلك الهجمات، فهي تستطيع الضغط على تلك الفصائل لوقف هجماتها، وهذا يعني أن إيران تريد استخدام العراق كساحة للمواجهة غير المباشرة مع الأمريكان، وهذا الأمر بالتأكيد له تداعيات خطيرة على الوضع العراقي فقط".
ويستطرد أن "السوداني في موقف حرج جداً أمام الإدارة الأمريكية بعد إطلاقه تعهدات بمنع هجمات الفصائل خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وهذا الأمر ربما سيكون له تأثيرات على العلاقات العراقية الأمريكية، وعلى وضع العراق الداخلي، خصوصا الاقتصادي الذي يشهد عدم استقرار منذ أشهر طويلة".
وكانت كتائب حزب الله، أصدرت تحذيرا قبيل زيارة بلينكن لبغداد، حيث اعتبر المسؤول الأمني فيها أبو علي العسكري، أن الزيارة "غير مرحب بها"، وأضاف: "سنقابل ذلك بتصعيد غير مسبوق".
كما شهدت بغداد، تظاهرة لأتباع التيار الصدري، رفضا لزيارة بلينكن، بناء على توجيهات زعيم التيار مقتدى الصدر، وقد قوبلت هذه التظاهرات بقطع جسر الجمهورية المحاذي للمنطقة الخضراء وسط بغداد، وتشديد الإجراءات الأمنية.
إلى ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي إياد العنبر، أن "الرد الأمريكي على الفصائل المسلحة مقترن بطبيعة هجمات تلك الفصائل، فاذا كانت تلك الهجمات تسبب ضررا للقوات الأمريكية، فالرد هنا سيكون على مستوى الضرر، لكن حتى هذه اللحظة لا توجد أضرار حقيقية، بل هناك إصابات طفيفة".
ويؤكد العنبر، أنه "في حال تصعيد الفصائل المسلحة من عملياتها ضد الأمريكان وتسببها بضرر كبير للقوات الأمريكية، فهنا سيكون الرد الأمريكي واحتمالية الحرب المباشرة واردة ومتوقعة، خصوصاً مع وجود تحذيرات وتهديدات أمريكية بهذا الصدد".
ويشير إلى أن "السوداني ملزم بتنفيذ تعهداته أمام الجانب الأمريكي بكبح جماح الفصائل المسلحة، والأيام القليلة القادمة سوف تبين قدرته على تنفيذ تلك التعهدات وإثبات انه لا أحد فوق الدولة وقراراتها"، مبينا أن "أهداف زيارة السوداني الى طهران مازالت غير واضحة، ولا نعرف هل كان ذهابه إلى طهران لإيصال رسالة أم لقيادة وساطة، فلا وضوح لهذه الزيارة حتى الآن".
وكان المرشد الإيراني علي خامنئي، أكد لدى استقبال السوداني بحضور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وعدد من المسؤولين العراقيين والإيرانيين، أن العراق بلد مهم في المنطقة، وبإمكانه لعب دور خاص في الضغوط السياسية من قبل الدول الإسلامية على الولايات المتحدة و"الكيان الصهيوني" لوقف المجازر بحق أهل غزة، وأن يخلق مساراً جديداً في العالمين العربي والإسلامي على هذا الصعيد.
وفي مقال لصحيفة "آرمان ملي" الإيرانية ذات التوجه الإصلاحي، قلل مختصون بالقضايا الدولية، من شأن "الوساطة العراقية" في ظل عدم وقف إطلاق النار، أو تفعيل الدبلوماسية وإطلاق سراح الأسرى، مبينة أن رسائل بلينكن للجانب الإيراني تمثلت بضبط الوضع في المنطقة، وعدم توسيع الحرب أو فتح جبهة جديدة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟