تزامنا مع تصاعد الأحداث في غزة، أنهت الفصائل المسلحة في العراق، "هدنة قلقة" مع القواعد والمنشآت الأمريكية، بدأت منذ تشكيل الإطار التنسيقي للحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، حيث تطور الموقف سريعا، عبر هجمات بالطائرات المسيرة على قواعد عسكرية أمريكية، ما ينذر بمزيد من التصعيد في الأيام المقبلة.
ويؤكد مراقبون أن قصف القواعد الأمريكية مؤشر خطير وإعلان لانتهاء هدنة، سيترك الحكومة في حرج، وهو يشكل عودة للدولة العميقة التي تنشط خارج إطار الدولة، فيما لفتوا إلى أن هذا التصعيد خطوة تصب في صالح إسرائيل التي تريد توسيع قاعدة حربها وضم أمريكا عسكريا إلى جانبها.
ويقول مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل، إن "أحداث غزة والموقف الإيراني سواء في العراق أو سوريا ولبنان، وتصاعد المواجهات اليومية بين حزب الله والمقرات الإسرائيلية، مؤشرات خطيرة تترك أثرها على الأوضاع في العراق، واليوم بدأت هذه الأوضاع تتدهور بفعل القصف على قاعدة عين الأسد والحرير والتنف".
ويصف فيصل، هذا التصعيد، بـ"المؤشر الخطير وإعلان انتهاء الهدنة، وانطلاق الإشارة لبدء المواجهات العسكرية المسلحة بين الفصائل المتحالفة مع فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني ضد المنشآت العسكرية الأمريكية، وهو تهديد خطير إذا ما ردت الولايات المتحدة بقصف مواقع وقيادات تابعة لهذه الفصائل في العراق، على غرار ما حصل في 2020".
ويضيف أن "عودة الحرب على المنشآت والمصالح الأمريكية التي كانت مستمرة في زمن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، تشكل عودة أخرى للدولة العميقة والتنظيمات المسلحة خارج إطار السلطة، فهذه التنظيمات عندما تستهدف القواعد الأمريكية وغيرها من المنشآت فهي خارج إطار القيادة العامة للقوات المسلحة، وهذا يعطي انطباعا بأن النظام في العراق مازال هشا وأن لا سلطة مركزية تقود قرار السلم والحرب في البلاد".
ويكمل فيصل، أن "هذه الاستهدافات تشكل تمردا على الدولة وخارج سياساتها وعلاقات عملها، فالحكومة حليف استراتيجي وشريك للولايات الأمريكية وقبل أيام خاطب بايدن السوداني لتنسيق عال، فكيف للأخير أن ينسق مع الرئيس الأمريكي وهناك قوى في العراق تعتبر الولايات المتحدة عدوا، وهذا ما يترك الدولة في حرج أمام المجتمع الدولي".
وبدأت منذ يوم الخميس الماضي، عمليات استهداف القواعد الأمريكية بالطائرات المسيرة، حيث جرى قصف قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة حرير في أربيل، كما تم استهدفت قاعدة التنف للتحالف الدولي عند الحدود العراقية – السورية.
وقد كشفت القيادة المركزية الاميركية، في بيان لها في وقت لاحق، أن قواتها تصدت لمسيرتين غرب العراق ودمرت إحداهما وهناك إصابات طفيفة بين قوات التحالف، فيما جرى تدمير مسيرة ثالثة في إقليم كردستان دون وقوع إصابات أو أضرار، وأنها مستمرة في تقييم التأثيرات على العمليات، مؤكدة في بيانها أيضا: نحن في لحظة التأهب القصوى، نراقب عن كثب الوضع في العراق والمنطقة ونريد التأكيد على أن القوات الأمريكية ستدافع عن ضد أي تهديد.
يشار إلى أن حركة عصائب أهل الحق، أعلنت في بيان بعد استهداف مستشفى المعمداني في غزة أن: لغة الاستنكار والتنديد لم يعد لها معنى أمام هذه الفاجعة الإنسانية الرهيبة التي كشفت كل أوراق الصهاينة وحكومات الدول الداعمة لهم في عدوانهم الوحشي.
كما ذكرت كتائب حزب الله في العراق في بيان لها أيضا: لحماية الإنسان وكرامته في أرض الحسين عليه السلام، يجب مغادرة هؤلاء الأشرار (القوات الأمريكية) من البلاد، ودون ذلك فإنهم سيذوقون نار جهنم في الدنيا قبل الآخرة.
من جانبه، يجد المحلل السياسي حسين الإبراهيمي، أن "عملية استهداف المصالح الأمريكية في العراق كانت من باب أن الفصائل تريد أن تدلو بدلوها بشأن الأحداث والقصف الأخير الذي تعرضت له غزة، وهي خطوة غير موفقة وتصعيد بلا فائدة، فهذا الأمر تطمح له إسرائيل لتوسيع قاعدة الحرب، لأنها تريد أن تتدخل أمريكا إلى جانبها وتكون شريكة في حربها".
ويضيف الإبراهيمي أن "الاستهدافات كانت متوقعة لاسيما أن دول المنطقة أرسلت تهديدات مشروطة إلى أمريكا، بأنها ستتدخل في حال تدخل الولايات المتحدة، وأمريكا من جانبها كانت تستشعر هذا، لذلك أرسلت حاملتي طائرات في البحر المتوسط، وهي ليست لدعم إسرائيل، بل لردع دول المنطقة".
ومنذ تشكيل الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، توقفت عمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق من قبل الفصائل المسلحة المرتبطة بالإطار التنسيقي، لتجنيب الحكومة المشكّلة من قبل الإطار التنسيقي، أي حرج مع الولايات المتحدة، على عكس العامين الماضيين، حيث ارتفعت حدة الاستهدافات بشكل كبير، كما كانت قوى الإطار تضغط باتجاه إخراج القوات الأمريكية من العراق بشكل كامل.
السوداني يوجه بتعقب المنفذين للهجمات
وأعلن القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الإثنين، رفضه استهداف القوات الأجنبية في العراق، ووجه الأجهزة الأمنية بالقيام بواجباتها وتنفيذ القانون وتعقب وتتبع العناصر المنفذة لتلك الهجمات.
وقال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول في بيان تلقته وكالة نون الخبرية، "في الوقت الذي عبرت فيه الحكومة العراقية، بمناسبات عدة، عن إدانتها العدوان الصهيوني على سكان قطاع غزة، وكررت دعواتها لإنهاء الأوضاع المأساوية التي يعانيها أشقاؤنا الفلسطينيون جراء ذلك العدوان، وهو ما يمثل الموقف المبدئي الثابت تجاه نضال الشعب الفلسطيني ، فإننا نؤكد كذلك رفضنا الهجمات التي تستهدف القواعد العراقية والتي تضمّ مقرات مستشاري التحالف الدولي المتواجدين في العراق، بدعوة رسمية من قبل الحكومة؛ لمواصلة عملهم في دعم عمل قواتنا الأمنية من حيث التدريب والتأهيل والاستشارة، على وفق آلية واضحة جرى وضعها من قبل القنوات الرسمية والدبلوماسية العراقية، لا يمكن معها التهاون في أمن وسلامة تلك المقرات".
ووجه القائد العام للقوات المسلحة الأجهزة الأمنية كافة للقيام بواجباتها وتنفيذ القانون وتعقب وتتبع العناصر المنفذة لتلك الهجمات، وعدم السماح بأي حال من الأحوال في الإضرار بالأمن والاستقرار اللذين تحققا بفضل التضحيات الجسام لأبناء قواتنا المسلحة، بمختلف صنوفها وتشكيلاتها.
جدير بالذكر، أن استهداف المصالح الأمريكية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ، كان حاضرا في ذروة الأزمة السياسية التي استمرت لأكثر من عام، حيث جرت استهدافات عدة ومن أبرزها ضد القاعدة العسكرية الأمريكية قرب مطار بغداد الدولي، وذلك في أيار 2021.
وكانت "تنسيقية المقاومة"، أصدرت في حزيران الماضي، بيانا أعلنت فيه: إدراكاً من التنسيقية لخطورة المرحلة وضرورة تجاوزها، كان من ضمن إجراءاتها إيقاف العمليات العسكرية ضد التواجد العسكري الأمريكي داخل العراق، إلا أن ذلك يجب ألا يفهم منه القبول باستمرار هذا الوجود غير الشرعي وغير القانوني والمنتهك للدستور العراقي.. أن الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية وبناءً على الجهود التي تروم الحكومة العراقية القيام بها، فإنها تمنح فرصة أخيرة للحد من انتهاكات أمريكا، وليعلم الجميع أن لصبرنا حدودا، ولكل فعل رد فعل، وقد أعذر من أنذر.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)
- مع اقتراب موعده.. هل تعرقل المادة 140إجراء التعداد السكاني؟
- حل "ترقيعي".. خطة الداخلية لشراء الأسلحة تُنعش "سوق مريدي" ولن تجمع 2٪