ملفات عديدة فتحت "شهية" السوداني لزيارة موسكو، ليس آخرها الوضع الإقليمي والقضية الفلسطينية، إذ يجد مراقبون أن هذه الزيارة هي مواصلة لسياسة اعتماد التوازن في العلاقات الخارجية، كما أن الملف الاقتصادي والتنموي الذي تضمنته "يحرر" الزيارة من أي موقف سياسي "اصطفافي"، غير أن خبيرا في الطاقة قلل من أهميتها الاقتصادية، على غرار زيارات رئاسية سابقة إلى الكرملين لم تثمر عن شيء، واصفا الرحلة بـ"الإعلامية".
ويقول المحلل السياسي فلاح المشعل، إن "زيارة رئيس الوزراء إلى موسكو تأتي من باب تنويع العلاقات وخلق توازنات في تواصله بين الشرق والغرب وهي تتضمن تعاونا سياسيا واقتصاديا، وهذا ما يحرر الموقف السياسي لها، وكذلك وجود الجانب الاقتصادي والتصنيعي والاستثماري يبعد العراق عن الاصطفاف في محور ضد آخر".
ووصل، الثلاثاء الماضي، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى العاصمة موسكو، التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تلبيةً لدعوة رسمية، وجرى، خلال اللقاء تناول العلاقات الثنائية بين البلدين، وآليات تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات الحيوية، وفي مقدمتها ملف الطاقة، وتطوير قطاع الصناعات النفطية، وكذلك مناقشة تواجد الشركات النفطية الروسية في العراق، كما شهد التباحث في عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وبحث التطورات الخطيرة للأحداث الراهنة في فلسطين.
وبشأن الموقف الأمريكي من هذه الزيارة، يضيف المشعل، أن "سياسة المحاور كانت سائدة في ستينيات وسبعينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي، لكنها اليوم تفككت مثل هذه المحاور، خصوصا بعد صعود روسيا والصين كقطبين مؤثرين في العالم"، لافتا إلى أن "سياسة المحاور التي تعتمد الانضمام للموقف الواحد سياسيا وعسكريا واقتصاديا قد انتهت، فلم يعد هناك موقف واحد كما كان في المعسكر الاشتراكي أو الرأسمالي وتوابعه، فأمريكا تمتلك علاقات اقتصادية مع روسيا والصين وحتى مع كوريا الشمالية".
ويعتقد أن "المصالح الاقتصادية تتقدم اليوم على المصالح السياسية، والعراق هو الآخر باعتباره بلدا فاعلا في منظمة أوبك ويمتلك شراكات مع شركات روسية وصينية وأمريكية، فإن هذا يحرره من أي التزامات سياسية أخرى، خصوصا أن هذه الزيارة تأتي لتطوير الصناعات البترولية".
وعن الملفات التي تداولها السوداني هناك، يشير إلى أن "هناك ملفات مهمة تفتح شهية السوداني لزيارة روسيا كالوضع الإقليمي، والاتفاقات المالية، لأن هناك استحقاقات للشركات الروسية تزيد على العشرة ملايين دولار أو أكثر والعراق مقيد في طريقة إرسالها بسبب الحصار المفروض على روسيا من قبل أمريكا، وكذلك ملف توجه أوبك لتخفيض إنتاج النفط، وبناء علاقات جديدة تتعدى الصناعات البترولية، وملف الطاقة الكهربائية".
وشارك السوداني في الدورة السادسة من منتدى أسبوع الطاقة الروسي، وهو يمثل فرصة مهمة لتوسعة آفاق الشراكة بين البلدين في تنمية قطّاعات الطاقة والنفط والغاز.
يشار إلى أن العراق ملتزم بخفص الإنتاج النفطي، إلى جانب دول أوبك+، ومن ضمنها روسيا، خاصة بعد أن مددت أوبك الخفض حتى نهاية كانون الأول المقبل، فضلا عن تطوع السعودية لخفض مليون برميل يوميا من إنتاجها، الأمر الذي أدى إلى إثارة حفيظة واشنطن، وعدته قرارا "غير بناء"، ويزيد من الغموض بشأن النمو الاقتصادي العالمي ويثقل كاهل المستهلكين في ظل التضخم العالي.
من جانبه، يرى عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية خالد عبد الإله، أن "زيارة السوداني تأتي وفق منطلقات الحكومة في اعتماد مبدأ التوازن في السياسة الخارجية وعلاقاتها مع الفاعلين الدوليين، لاسيما أن الموقف العراقي واضح من الأزمة الروسية الأوكرانية في ما يتعلق برفض الحرب واستخدام الآلة العسكرية وكان العراق صوت برفض الحرب دون أن يدين طرفا دون آخر، داعيا الأطراف إلى الجلوس للحوار وتحقيق السلام".
ويجد عبد الإله، أن "الزيارة مهمة جدا خصوصا أن هناك علاقات تاريخية تربط العراق بروسيا والاتحاد السوفيتي سابقا، وهنا نتحدث عن شركات روسية عاملة في العراق، إذ أن زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى بغداد فتحت الكثير من آفاق التعاون بين البلدين".
وردا على سؤال بشأن موقف واشنطن من هذه الزيارة، يؤكد بأن "حكومة السوداني، لا تضع خطوطا حمراء في صياغة علاقاتها الخارجية، ولا تريد أن يكون هناك تأثير لدولة ما على القرار العراقي"، لافتا إلى أن "العراق يريد أن يحقق شراكات تنطلق من مصالحه القومية بالدرجة الأولى، وهو لا ينتظر أن يكون هناك موقف من قبل واشنطن أو غيرها، كما لا يهتم بتفسير روسيا لزيارة السوداني إلى واشنطن قبل مدة قليلة".
ويتابع أستاذ العلوم السياسية، أن "هناك مشاريع استراتيجية تدخل في إطار ما يسمى بالدبلوماسية المنتجة التي أشار إليها السوداني في زياراته إلى ألمانيا وفرنسا وأمريكا، والزيارة تدخل في هذه الأجندة من حيث تحقيق الشراكات والتوازن وعودة العراق إلى ملء مكانته الإقليمية وأن يخرج عن كونه ملفا للتداول بين الدول إلى قطب فاعل يتداول الملفات، كملف الصراع الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية وعملية طوفان الأقصى الذي جرى بحثه".
جدير بالذكر، أنه خلال لقائه ببوتين، أكد السوداني، موقف العراق الثابت إزاء القضية الفلسطينية، الذي يؤكد حقّ الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة وعدالة، داعياً روسيا إلى التحرك العاجل مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لإيقاف الاعتداءات المستمرة على الأراضي الفلسطينية.
ويرتبط العراق بعلاقة متينة مع إيران والصين وروسيا، وكان يعد جزءا من هذا المحور، الذي يعارض السياسة الأمريكية، لكن وبعد تشكيل الحكومة الجديدة، تطورت العلاقة بين بغداد وواشنطن، وحظيت هذه الحكومة بدعم أمريكي كبير.
يذكر أن السوداني، تلقى دعوة رسمية من الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، لزيارة البيت الابيض، وذلك خلال تواجد رئيس الحكومة في أمريكا على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الثامنة والسبعين.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زار بغداد، في شباط الماضي، وعقد لقاءات مع الرئاسات، وخلالها جرى التأكيد من بغداد وموسكو على أهمية العلاقة بين البلدين وتطويرها خاصة في مجال الاستثمار، لكن بغداد أكدت على ضرورة الحل السلمي لأزمة أوكرانيا.
لكن العراق وفي شباط الماضي، صوت على قرار الأمم المتحدة القاضي بانسحاب روسيا من أوكرانيا، ووصف هذا التوجه في حينها بأن بغداد أصبحت جزءا من "المحور الأمريكي- الأوروبي"، لاسيما وأن حلفاء روسيا امتنعوا أو صوتوا ضد القرار، وعدت بأنها خطوة الخطوة "براغماتية"، أساسها البحث عن مصلحة البلاد.
بدوره، يقلل خبير الطاقة عصري موسى، من الأهمية الاقتصادية لزيارة السوداني إلى موسكو، مستشهدا بأن "أكثر من رئيس وزراء عراقي ذهب إلى روسيا منذ 2003 إلى الآن، لكن لم تثمر هذه الزيارات عن نتائج ملموسة في مجال النفط أو الطاقة وغيرها".
ويضيف موسى أن "هذه الزيارات يقوم بها رؤساء الوزراء كالسوداني وقبله المالكي وغيرهم كجزء من الدعاية الإعلامية وكموقف داخلي يتبجحون به لا أكثر، لأن عمل الشركات سواء الغربية أو الروسية لا يحتاج إلى هذا التأثير الإعلامي، لأن ما يجذبها الاستثمار والعقود التجارية والفنية تكون ملتزمة بها".
وتعمل في العراق شركات نفط روسية عدة، في الحقول الجنوبية، بالإضافة إلى شركات استثمارية أخرى، وهذه لم تتأثر بالحرب مع أوكرانيا ولم تنسحب نتيجة لفرض الحصار على روسيا، بل استمر عملها حتى الآن بشكل طبيعي.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)
- تحالف السوداني والصدر.. "جس نبض" أم تهديد لـ"الإطار"؟