بقلم: د. عبد المطلب محمد عبد الرضا
نتيجة قلة المياه الواصلة الى شط العرب صعدت مياه الخليج المالحة والملوثة الى مسافة كبيرة فيه تصل احيانا حتى مدينة البصرة أو أبعد من ذلك مسببة العديد من المشاكل (غياب المياه العذبة وصعوبة عمل محطات الاسالة، مشاكل لسقي المزروعات والبساتين، ....) وهي ظاهرة طبيعية تتأثر بعدة عوامل أهمها كمية الواردات المائية الجارية فيه. حيث أصبح نهر دجلة هو النهر الوحيد المغذي لشط العرب بعد ان اصبحت مياه نهر الفرات شحيحة جدا ولا تصل الى شط العرب.
كما منعت ايران نهر الكارون من الوصول الى شط العرب وحولت مياهه الى داخل الاراضي الايرانية للاستفادة من المياه في الزراعة هذا مع العلم بأن المياه الجارية في نهر الكارون والتي تصل الى شط العرب كانت سابقا (قبل عام 1956) كبيرة جدا يصل مقدارها الى حوالي (24) مليار متر مكعب انخفضت الى (18) مليار متر مكعب خلال الفترة من (1965-1984) واستمر الانخفاض في واردات الكارون حيث تقدر الكمية الحالية الى (1) مليار متر مكعب وبنوعية رديئة (مياه مبازل) ولهذا السبب كانت المياه الجارية في شط العرب سابقا قادرة على صد المياه المالحة الصاعدة فيه ومنعها من الوصول الى البصرة.
ومنذ سنوات عديدة قامت العديد من الشركات والمكاتب الاستشارية الاجنبية بدراسة مشكلة صعود مياه الخليج المالحة في شط العرب وتم اقتراح بناء سد على شط العرب غير ان موقع هذا السد يجابه العديد من التحديات. فمن جانب لا يمكن بنائه في الجزء الممتد من أبو الخصيب الى نهاية الفاو لان العراق لا يمتلك الا جانبا واحدا من شط العرب والجانب الاخر يعود لايران ولذلك يجب الحصول على موافقتها لغرض بناء السد في هذا الجزء من شط العرب والاتفاق على موقعه وعلى مواصفاته الفنية.
ومن جهة اخرى فان السد سيشكل عائقا أمام حركة الملاحة والسفن في شط العرب اضافة الى ان بناءه بالقرب من البصرة سيحد الفائدة منه بشكل كبير بسبب وصول مياه الخليج المالحة والملوثة الى مدينة البصرة.
والحقيقة ان الشركات والمكاتب الاستشارية الاجنبية التي درست موضوع السد أخذ بعضها مقترحات البعض الاخر وكان بعضهم هو من يحتاج الى المشورة وغير قادر على اعطاء الاستشارة الفنية اللازمة وبقي موضوع السد يراوح مكانه منذ سنوات طويلة.
والغريب في الامر ان هذه الشركات والمكاتب الاستشارية لم تكلف نفسها عناء البحث عن حلول استثنائية تتناسب مع التحديات التي يواجهها مشروع بناء السد في شط العرب ولم تبحث ولم تفكر في حلول خارج نطاق الفكر الكلاسيكي المتعارف عليه وهو بناء سد كونكريتي ثابت.
فالدراسات لم تقدم ولم تقترح حلولا فنية تتناسب مع الظروف البيئية والفنية والسياسية التي تحيط بالمشروع وتناست وتجاهلت ما وصل له العلم والتقنيات المتوفرة في بناء السدود في الوقت الحاضر.
لقد كان مشروع الدلتا الهولندي الذي بدأ العمل به عام 1953 من المشاريع الرائدة في هذا المجال فقد ساعد على صد مياه بحر الشمال المالحة ومنعها من الوصول الى الاراضي الزراعية وذلك عن طريق بناء سدود وحواجز على شكل بوابات معدنية ضخمة عملت عمل السد ولكن بتقنية تسمح برفعها وخفظها حسب الحاجة والظروف الهيدرولوجية في المنطقة.
كما تتوفر حاليا تقنية السدود المطاطية التي يمكن نصبها وتغيير مكانها بسهولة نسبيا. ورغم ان السدود المطاطية تستخدم عادة لمقاطع نهرية صغيرة الا انه يمكن تطويرها لتغطية مقاطع أكبر حجما. كما يمكن المزاوجة ما بين عدد من التقنيات للوصول الى أفضل الحلول لصد مياه الخليج المالحة أو تطوير هذه التقنيات لتصبح أكثر فعالية وتستجيب لمتطلبات انشاء سد على شط العرب.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً