- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مشروع داري.. بين الحقيقة وتسويق الوهم
بقلم: بركات علي حمودي
اثارت انتباهي احدى التعليقات يوم امس لاحد الأساتذة الافاضل عندما قال: "متى نخرج من ثقافة توزيع الأراضي فقط"، لأني وجدت ان هناك من يفكر فعلاً خارج الصندوق ويريد ثقافة حكومية اخرى بموضوع حل ازمة السكن التي يشهدها العراق منذ سنوات.
و كأي مراقب للشأن السياسي يملك بعض المعلومات عن الحكومة السابقة (حكومة الكاظمي)، تكون لديه وجهة نظر بأن تلك الحكومة برغم "ضعفها "، كانت تريد الوصول لفكرة (لا اعطيك سمكة لتأكل اليوم، بل اعلمك الصيد لتأكل السمك كل يوم) !
كانت فكرة الحكومة السابقة، هي خلق مناطق سكن جديدة للناس خاصة ً الفقراء منهم، و امامها هدفين:
الاول هو ضد ثقافة توزيع الاراضي واتخاذها سياق عام للدولة موجود منذ ستينيات القرن الماضي.. خصوصاً انها ثقافة مرغوبة عند الناس، والثاني هو انهاء هذا المشروع بأقل جهد مالي حكومي.
كان من الصعوبة جلب شركات لتبني مدن وتوزيعها للناس لاسباب كثيرة، اهمها عامل الفساد الذي هو حاضر مع اي حكومة بعد 2003، فكانت الرؤية الحكومية آنذاك هو توزيع اراضي للناس بطريقة (الاراضي المخدومة)، كالكهرباء والمجاري والماء والاكساء و وجود مراكز صحية ومدارس في هذه المدن، ويتم توزيع الاراضي بعد ان تقوم الشركات بوضع حجر الاساس للشروع بالبنى التحتية، وهنا ارتأت الحكومة السابقة ان تكون البنى التحتية بطريقة الاستثمار للشركات، وبعدها يتم توزيعها للمستفيدين مع قروض بفوائد بسيطة، كي يتم بناء الارض فوراً دون ركن هذه الارض وبيعها في وقت لاحق او اهمالها !
وهنا فائدة الدولة او الحكومة، انها ستخلق فرص عمل عبر هذه القروض في سوق العمل والبناء و كل ما يرتبط ببناء بيت متكامل، فـ 500 الف قطعة ليس بالرقم البسيط في قطاع العمل و البناء، هذا القطاع الذي يعاني من الضعف اصلاً بسبب غياب الاستثمارات الحقيقة ولاسيما منها الاجنبية التي تخشى الدخول الى البلاد بسبب الوضع السياسي الراهن.
المشكلة في هذا المشروع، انه تعرض لمطب الفساد والبيروقراطية الحزبية، فهناك حزبين او ثلاث احزاب (دون ذكر اسماء) حاولوا الدخول على خط هذه العملية الاستثمارية والاستفادة من المشروع كعادتهم في الدخول في اي مشروع حكومي اخر (بأن يكونوا شركاء مرابين يستفيدون ولا يفيدون)، و بذلك تُحال لهم مشاريع المجاري والاكساء وباقي الخدمات، وهنا عندما رأت الحكومة برغم الضغوطات عليها، بأن المشروع سيشوبه الفساد ولن يكون ذي جدوى، قامت بإحالة المشروع كله بذمة (وزارة الاسكان و الاعمار) باعتبار ان هذه الوزارة تملك شركات اعمار قادرة على تنفيذ هذه المشاريع.
الحكومة سارت باتجاه سريع صوب المشروع، حيث قامت بتحديد الاراضي في المدن وعقد جلسات هندسية وما الى ذلك من تحديد تصاميم وغيرها من الامور الفنية المتعقلة بالمشروع واهمها انها ارادت ان تكون هذه الاراضي باطراف المدن كي تكون ثقافة جديدة لدى المواطن و الدولة على السواء، وهي الخروج من وسط المدن و التوسع و التمدد الافقي للسكان.
تزامنت هذه الخطة، مع قرب موعد الانتخابات، و تزامن معها فرصة التربح الانتخابي، فحاولت بعض الكتل السياسية، استغلال المشروع عبر محاولتها بانها هي من ستقوم بتوزيع السندات، وذلك من اجل كسب اصوات الناخبين، ولهذا قامت الحكومة السابقة بتعليق العمل بالمشروع حتى انتهاء فترة الانتخابات، وقد توقف العمل والشروع بالمشروع في وقتها فعلاً، (على امل ان تكمل الحكومة اللاحقة ان كانت بالكاظمي او بغيره اكمال المشروع كوننا دولة مؤسسات، حكومة تكمل عمل الحكومة التي سبقتها، لا كلما دخلت أمةً لعنت اختها).
جاءت فترة ما بعد الانتخابات، و دخلنا مرحلة (البرزخ الحكومي) حيث ان حكومة تصريف الاعمال لاتملك حق صرف الاموال وان قامت وزارة الاسكان المحال اليها المشروع بالشروع بالعمل فانها لا تملك تخصيصات لاكمال العمل (كون ان شركات الوزارة هي شركات حكومية و بذلك تكون الاموال متوقفة عنها لان لا وجود لموازنة او حكومة بالاصالة) او قد يكون ان قانون الامن الغذائي قد خُصص منه اموال المشروع من ضمن الاموال التي خصصت لمشاريع الاعمار (وهذا ما لستُ متاكد منه) ولكن الذي متاكد منه، ان الحكومة السابقة لم تستغل جميع الاموال المقررة في القانون، بسبب التشكيك والاتهامات ضد القانون وهذا ما جعل الحكومة لا تتصرف بالاموال بدليل انها تركت لحكومة السوداني 12 تريليون دينار (صُرف منها الان لجدار يخفي عشوائيات البصرة 45 مليار دينار و3 مليار دينار لاعمال صبغ و سقوف ثانوية في مستشفى الكاظمية التعليمي)!
في النهاية، انا و غيري على اطلاع على قصة مشروع داري واعرف ان هناك ملف كامل لهذا المشروع في الامانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة الاسكان والاعمار، عكس ما يروج له (وزير فيسبوكچي ينتظر دعوات حفلات زواج منتسبي وزارته)!
أقرأ ايضاً
- العراق في المونديال.. الحلم المشروع
- مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحرية بمبالغ مالية
- العيش في الوهم .. وامتهان المواطن