بقلم: عبد المنعم الأعسم
ثمة في الدستور مؤشرات مقتضبة، ومتناقضة، للاسترشاد بها الى تقرير ما إذا يُعتبر العراق، دولة مكونات أو دولة مواطنة، وفي سياق التجاذبات والاستطرادات (والخلافات) بصدد هذه المشكلة نطالع كمّا غير قليل من الآراء، منها ما يمس جوهر الموضوع:
الدولة في بعدها الدستوري، ومنها ما ينأى عنه الى دولة اخرى شاءت المجادلات ان تسميها بالدولة العميقة، ومنها ما ستطرد الى التمنيات والتنظير والفرضيات التي تنفع في تنمية الثقافة السياسية والقانونية اكثر مما تنفع في اعادة تصويب وتعديل النصوص والتطبيقات.
القائلون بان العراق دولة مكونات، مستندين الى مفردة «المكونات» في اكثر من مادة دستورية، يضعون هذا التوصيف في أضيق الحدود، بحيث يبدو انه يتعارض مع حقوق (دولة) المواطنة التي تتضمنها جميع النصوص التي تشير الى المساواة بين العراقيين، وبخاصة المادة (14) التي تُسقط الحدود الجنسية والدينية والقومية والطائفية بين المواطنين حين يتعلق الامر بحقوقهم المدنية، كما يضعونها بالضد من التعريف الدستوري للحكم الجديد بحسب المقدمة (الديباجة) كونه «نظام جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي» بل انهم يضيّقون مشمول «المكونات» بتجريده من البعد الاجتماعي، فلماذا لا تكون النساء، او طبقات العمال والمزارعين والموظفين واصحاب العقائد المختلفة في عداد مكونات الشعب، اسوة بالمكونات الدينية والقومية؟.
لكن، التعسف في استخدام مفهوم (منطق) المكونات نجده في الامعان بتوزيع الحقوق والامتيازات على قاعدة التراتبية (المحاصصة) الامر الذي يضع المساواة الملزِمة دستوريا في مأزق، او في مهب الريح، وفي النتيجة فان المساواة بين مكونات الشعب العراقي غير متوفرة، فلا مكوّن مطمئن الى المستقبل، وليس ثمة طائفة او قومية او جماعة دينية لا تشكو من التهديد أو التجاوز، فيما تحولت هواجس المظلومية الى شعارات تتقاذفها الاحزاب المتنفذة بغرض التعبئة واستقطاب الاتباع والنفوذ، في تجارة سياسية مثيرة للاشمئزاز.
نعم، ثمة في السياقات الدستورية اكثر من نص يؤكد على دولة المواطنة، والمساواة بين المواطنين، وبين النساء والرجال، وفي فرص العمل، وأمام القانون، وثمة اتفاقات دولية انضم اليها العراق وصادق عليها البرلمان، تقضي بالتزام الدولة باحترام حقوق المواطنة باعتبارها حقا مطلقا، لكن المشكلة تتمثل (أولا) في هشاشة الهيكلية القانونية التي تضمن بناء دولة المواطنة التي لا تلغي، طبعا، حقوق المكونات القومية والدينية والاجتماعية.. و(ثانيا) في ضعف جاهزية واستعداد (وايمان) الطبقة التي أدارت وتدير دفة السياسة بوجوب تشييد دولة المواطنة، وبعض ممثلي هذه الطبقة يقولون لك، بعظمة لسانهم: دولة المواطنة على الورق وبخلاف ذلك فانها تمر على جثثنا.. فيما تتعفن جثثهم باضطراد.
استدراك
« كل مرض، معروف السبب، موجود الشفاء».
ابي قراط