- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الشعائر الحسينية.. دلالات وأهداف ونتائج - الجزء الرابع
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
ـ المراحل التي مرت بها الشعائر الحسينية: يمكن إيجاز المراحل التي مرت بها الشعائر الحسينية بثلاثة مراحل:
ـ المرحلة الأولى: مرحلة الإعداد
وقد تم الإعداد لنجاح المشروع الحسيني على يد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حيث أنه أول من أعد وهيأ الوسائل الكفيلة لنجاح هذا المشروع واستمراره وبقاءه. ومن هذه الوسائل التي أبرزها النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في حياته هي إقامة المأتم على سيد الشهداء (عليه السلام)؛فقد ذكر السيد الأميني في كتابه (سيرتنا وسنتنا) أنه عقد عشرين مأتما في ندب الامام الحسين (عليه السلام). وعليه يكون النبي (صلى الله عليه واله سلم) هو أول من بكى على سبطه عليه السلام, فيكون هذا إعدادا ممنهجا، من قبل النبي (صلى الله عليه واله وسلم).
ومن الاعداد أيضا هو اعداد الإمام الحسين عليه السلام حيث أنه خطط لنجاح مشروعه الملحمي الكبير بوسائل تبليغية, ومنها خروج النساء معه في ركب الملحمة حيث أنه لما سأل عن سبب خروجهن أجاب بقوله(عليه السلام): "شاء الله أن يراني قتيلا وان يراهن سبايا". فالامام (ع) أشار إلى أن المشروع فيه عنصران:
ـ العنصر الأول فيه التضحية والشهادة
ـ والعنصر الثاني هو عنصر الإعلام والتبليغ
وهو ماستقوم به المرأة (السيدة زينب عليها السلام وبقية النسوة) فأستصحاب النسوة بما أنه غرض تبليغي وإعلامي للمشروع سيكون شعائريا اي يدخل في شعائر المشروع بل من أساسيات الشعائر
فهذا وغيره هو إعداد للشعائر لإحياء ملحمة عاشوراء.
المرحلة الثانية: مرحلة التبليغ
وهي مرحلة مهمة من مراحل نجاح الملحمة العاشورائية, حيث بدأت مرحلة التبليغ بنشر أحداث كربلاء وما حدث فيها من مآسي ومحن وبيانها للناس, وهذا تجسد من أول حركة جغرافية وزمنية من بعد تلك الفاجعة. حيث بدأ ركب الأسر لآل البيت عليهم السلام وخلال هذه المسيرة من كربلاء إلى الكوفة, ومن الكوفة إلى الشام, ومن الشام إلى المدينة كانو يبينون للناس حقيقة الواقعة بعد أن مارس الإعلام الأموي تغطية كاذبة على أنهم خوارج. وكذلك دور الأمام زين العابدين عليه السلام بعد فاجعة الطف في مواقف كثيرة ومشاهد عبر عليه السلام عن تلك المظلومية تصريحا تارة وتلميحا أخرى ومنها ايضا ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):(أمرني ابي أن استأجر عشر جوار (نائحات) يندبن الحسين بمنى ايام منى"ايام الحج"). وهذه وسيلة إعلامية لإحياء عاشوراء اتخذها أهل البيت عليهم السلام لاظهار مظلومية كربلاء، وهي شعيرة من الشعائر الكاشفة عن قضية مهمة حدثت في التاريخ الإنساني.
المرحلة الثالثة: مرحلة الابقاء والصيانة
تميز الكيان الشيعي بمميزات جعلته يتميز بها عن غيره ونستطيع ان نصطلح عليها بالثوابت وهي اربعة ثوابت مهمة:
الثابت الأول: الاعتقاد بالإمامة الإلهية: (ان الله اصطفى من خلقه أوصياء اثنى عشر وصيا يمارسون دورهم بعد النبي صلى الله عليه واله واحدا تلو الاخر).
الثابت الثاني: الخزين الكبير من الروايات التي رواها هولاء المعصومون (عليهم السلام) وقد عالجت مختلف المجالات التي يعيشها الإنسان.
الثابت الثالث: الشعائر الحسينية.
الثابت الرابع: قيادة المجتمع بعد عصر المعصومين عليهم السلام من قبل الفقهاء الذين يأخذون بايدي الناس الى الحق ورعايتهم.
وهنا نقول بما أن الشعائر الحسينية هي احد ثوابت المذهب الحق. ومعنى كونها ثابتا اي انها ركيزة من الركائز الأساسية في بناء الكيان الشيعي, وواحدة من مفردات منهجية منظومته العقائدية, وانها لاتنفك وجودا عنه. فهي كما يقول اهل المنطق (ذاتي من ذاتيات الشي، لا عرض من عوارضه). بحيث أصبح الشيعي يعرف بممارسة هذه الشعائر.
وهذا نتاج التخطيط الذي مارسه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) واهل بيته (عليهم السلام) حيث وضعوا لبنات بناء هذا الكيان العظيم لبنة لبنة لديمومته, وتشكيل هويته العقائدية التي يتميز بها عن غيره من الوجودات الفكرية المطروحة على الساحة الفكرية للمجتمع البشري، وهذا تجسد من خلال الثابت الثالث (الشعائر) باعتباره احد وسائل حماية التشيع من الذوبان في بوتقة الافكار والرؤى الاخرى ،واثبات شخصيته المعنوية امام قسوة الحكومات المتسلطة على رقاب الناس والتي تحيط بالواقع الشيعي وتحاول تجاهله وتغييبه واقصاء وجوده من بين الناس.
و هذا الدور(دور الإبقاء والصيانة) تجسد في حركة الائمة المعصومين عليهم السلام من خلال رعاية صور الاحياء العاشورائي، كالروايات الصادرة عنهم في بيان الثواب الجزيل لمن جلس مجلسا يحي فيه ذكر الحسين (عليه السلام )، او من خلال البكاء وروايات البكاء والحث عليه بل انهم عليهم السلام هم بكوا على الحسين عليه السلام وفاجعة كربلاء، وكذلك تشجيع من ينشد الشعر في حق واقعة كربلاء، او الحث على زيارة الحسين عليه السلام مهما كانت الظروف الأمنية التي عاشها شيعة أهل البيت عليهم السلام في حقب زمنية صعبة جدا، كل ذلك هو ايجاد رابط متين وقوي الجذب بين الشيعة كأفراد وبين كيانهم العقائدي. وهذا معناه ابقاء هذا الكيان العظيم ببركة مرتكز وثابت مهم الا وهو ثابت الشعائر الحسينية.
ـ اقسام الشعائر الحسينية:
يمكن تقسيم الشعائر الحسينية الى قسمين:
ـ القسم الأول: الشعائر المسنونة التي اسسها اهل البيت (عليهم السلام) وجرت سيرتهم الفعلية عليها وان كانت الممارسة لها بشكل جزئء ظاهرا وحثوا شيعتهم عليها, والتي وردت فيها نصوص صريحة من قبل الأئمة (عليهم السلام) ويمكن إجمالها بما يلي:
1ـ شعيرة البكاء
حيث ان هذه الشعيرة اسلوب نفسي يعبر عن الحزن والاسى، وقد وردت احاديث كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) والتي تكشف أن هناك تفاعلا نفسياً مع المظلومية والمأساة وقد ورد في الروايات عن قيام أهل البيت عليهم السلام بالبكاء بأنفسهم على الإمام الحسين (عليه السلام) وقد وضع الإمام زين العابدين أسس هذه الشعيرة.
حيث يروى أنه عليه السلام مايقدم له من طعام وشراب الا وبكى على أبيه الحسين عليه السلام
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال إن جدي علي بن الحسين بكى على أبيه أربعين عاماً.
وايضا السلوك الذي كان يمارسه الإمام زين العابدين عليه السلام عند مروره في سوق القصابين ويذكرهم بمصاب أبيه الحسين عليه السلام فإن هذا في حقيقة الأمر هو عزاء لأبيه ولفاجعة الطف
فأن هذه المواقف وغيرها ماصدر عن الأئمة عليهم السلام يكشف عن تخطيط كان يمارسه الإمام زين العابدين عليه السلام لغرض إثارة القضية إعلاميا في الرأي العام واثارتها على مستوى الرأي الخاص أي ان المؤمنين سيتفاعلون معها في حياتهم٠
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: أنه قال لفضيل:(تجلسون وتتحدثون.؟. قال: نعم جعلت فداك. قال: أن تلك المجالس احبها فأحيوا أمرنا يا فضيل. فرحم الله من أحيا امرنا . يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر).
فالبكاء اسلوب يربي في الإنسان رفض الظلم ويجسد حالة الوقوف إلى جانب الحق إضافة إلى انه يرفع درجة الأحساس بالوقوف مع المظلوم وبالتالي يربطه بالقيم والمعاني الأخلاقية.
اذن فأن فلسفة البكاء لها أبعاد تربوية واخلاقية على الفرد نفسه.
٢ـ المأتم الحسيني
ويقصد به تلك المجالس التي اقيمت على سيد الشهداء(عليه السلام)، وقد بدأت شعيرة المأتم منذ أيام الفاجعة الاولى والتي كانت محطتها الاولى هي بلاد الشام عند دخول السبايا اليها وحضور الإمام زين العابدين(عليه السلام) والسيدة زينب بنت أمير المؤمنين(عليه السلام) وبقية النسوة والصغار من اهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام).
وأن الامام زين العابدين عليه السلام) قد اعتلى المنبر في داخل الجامع الاموي وبدأ يبين تلك المأساة والفاجعة الأليمة التي حدثت في كربلاء، ونعى ابيه الإمام الحسين وبكى وابكى الحاضرين في مجلس الطاغية، وهنا ان الامام (عليه السلام) قد اثار هذه القضية امام الراي العام وبين بعض فصول المأساة والفاجعة وقد ندب ابيه ونعاه، وهذا بعتبر اول مجلس قد اسسه الامام زين العابدين (عليه السلام)٠
وكذلك عند رجوع ركب السبي الى المدينة ، يقول المؤرخون ان ام سلمة قد اقامت مجلسا تندب فيه الحسين (عليه السلام )٠
اذن عقد المأتم والمجلس قد تاسس على يد الامام المعصوم(عليه السلام )، وهذا يعني مشروعية هذا العمل ٠
وللمجلس الحسيني آثار مهمة حيث انه يحافظ على هذه القضية من التحريف والتزيف، وبالتالي فانه سيحفظ معالم نهضة سيد الشهداء - عليه السلام- من الضياع حيث ان حكومة بني امية حاولت طمس الحقائق على ان هؤلاء خوارج وقد خرجوا على السلطة الحاكمة.
إضافة الى ان إثارة المأساة في ضمائر الناس اتجاه الفاجعة التي مر بها أهل بيت الرسالة في كربلاء وايضاً ان من آثار مآتم سيد الشهداء هو نشر مفاهيم الإسلام الصحيحة من خلال ما يلقى في هذه المآتم .وهذه تشكل قناة ومنظومة للتعريف بمعارف الاسلام ومفاهيمه واحكامه الشرعية من خلال هذه المآتم.
وقد روى الشيخ الكليني بطريق معتبر عن ميسر عن ابي جعفر الباقر -عليه السلام- انه قال لي: (اتخلون وتتحدثون وتقولون ما شئتم؟ فقلت اي والله انا لنخلو ونتحدث ونقول ما شئنا .فقال "عليه السلام "اما والله لو ودّتُ اني معكم في بعض تلك المواطن ،اما والله اني لأحب ريحكم وارواحكم وانكم على دين الله ودين ملائكته فأعينوا بورع واجتهاد).
فيفهم من هذه الرواية وغيرها محبوبية اهل البيت عليهم السلام لهذه المجالس التي يعقدها شيعتهم بدرجة الحث عليها ويكون قريباً من الوجوب ،وعليه تكون المآتم والمجالس تاتي في مقدمة هذه الشعائر .وإنّ هذه المجالس تمثل طاقة تحرك الانسان بأتجاه قضية كربلاء واهداف نهضة سيد الشهداء -عليه السلام- ومضامينها وعقيدتها حيث ان من خلال المجالس تتحقق في أنفسنا نسبة من اهداف نهضة سيد الشهداء ومن اهمها هو إحياء القيم الإلهية ومعالم الإسلام في نفوس المؤمنين.
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة