بقلم: علي حسين
ما تحاور عراقيان في أي مكان، إلا وكان الشك في السياسيين وعدم الثقة في وعودهم ثالثهما، يومياً استمع لحوارات كثيرة في الصحيفة أو الشارع أو المقهى أو البيت فأجد أن المشكلة الكبيرة التي تواجه الجميع هي الوعود التي تقطعها الكتل السياسية على نفسها ثم تتحول هذه الوعود إلى مجرد كلام.
قبل أكثر من نصف قرن، كان هناك سياسي من بلاد سنغافورة التي تعد اليوم على قائمة الدول الأكثر تطوراً ورفاهية اسم هذا السياسي ،”لي كوان يو” يقف وسط قبّة البرلمان السنغافوري ليعلن أنهم لا يستطيعون تسديد الرواتب لموظفي الدولة، ثم يُخرج ملفّاً يضمّ تصوره لبناء دولة قوية شعارها ”بناء مجتمع عادل وليس مجتمع رعاية اجتماعية” كان الناتج السنوي أقل من مليار دولار، ويوم ودّع لي كوان الحياة قبل سبعة أعوام، كانت الأرقام التي نشرتها الإيكونومست عن مؤشر جودة الحياة،على النحو الآتي: "حصلت سنغافورة على الدرجة الأولى في آسيا والمرتبة الخامسة على مستوى العالم، وتمتلك ثامن أعلى احتياطي في العالم".
سيقول البعض يارجل مالك تقلّب بدفاتر الدول "الكافرة"، ولا تريد أن تلاحق المثير وتلقي الضوء على الحاضر في دولة مؤمنة مثل العراق توقف الحال فيها عند كرسيّ عالية نصيف الذي تخاف عليه من الضياع ، ياسادة، الحاضر في العراق يخبرنا أصحابه أنّ المواطن المغلوب على أمره الذي لا ناقة له ولا جمل في معارك السياسيين مطلوب منه أن يتحمل أكاذيب الساسة وخطبهم المزيفة.
قبل كتابة هذا العمود بعشرة أعوام نشرت جريدة البيان لسان حال حزب الدعوة مانشيتاً عريضاً يقول: "المالكي: بعض الجهات تحاول إفشال جهود الإعمار، وأرفقته بمانشيت آخر أحمر اللون يبشرنا أن حكومة السيد المالكي بدأت مشروع توزيع قطع سكنية للمواطنين".
حين تكتب الفايننشل تايمز على صفحتها الأولى عام 1965 أن ”هناك تنبّؤاً بأن سنغافورة لن تبقى على قيد الحياة أكثر من ثلاث سنوات، ولا يوجد في الموقف الحالي ما يوحي بأنها قادرة على البقاء إلى يوم غد” يردّ لي كوان وبنفس الصحيفة: ”إن البلدان تموت حين تفقد القدرة على توفير الحياة الكريمة لمواطنيها، وبما أننا قررنا أن نعيش أحراراً فلن تختفي سنغافورة من الخارطة” ويقول لمراسل الواشنطن بوست: ”المناضلون الذين تناوبوا على حكم بلداننا تحولوا إلى نهّابين، ولهذا عندما أقسمت اليمين طلبت من جميع أعضاء الحكومة أن يرتدوا قمصاناً بيضاً وبناطيل بيضاء لنرمز إلى الأمانة”.
كلّ العالم ينظر اليوم إلى العراق ويضرب كفّاً بكفّ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة نوابنا إلى مجرد دولة تضحك على المواطنين بمانشيتات وخطب زائفة.