حجم النص
بفلم :احمد الجنديل
أن يسير السياسي على سكّة المناورة الذكية ، والمحاورة الشاطرة من أجل خدمة الوطن ، وتلبية طموحات شعبه ، فهذا عين الصواب ، وبيت الحكمة في زمن الاحتدام السياسي ، والصراعات العنيفة .
وأن يتشبث أصحاب المبادئ برقاب مبادئهم ، ويستميتوا بالدفاع عنها دون مراوغة أو تسويف ، فهذا هو العقل والمنطق السليم ، فالسياسة لا قلب لها ولا روح ، والمبادئ نصوص وقيم لا يجوز القفز عليها ولا التحرش بها .
وفي عراق الديمقراطية ، نجد السياسيين قد وضعوا تيجان المبادئ على رؤوسهم ، وراحوا يتبخترون بين صفوف الجياع والفقراء ، وهم يصرخون كالغيلان المخيفة عن الانجازات التي تحققت في ظل قيادتهم العظيمة .
وفي بلد الحق الإلهي المطلق ، وتحت خيمة الشعارات الكبيرة ، نجد أصحاب المبادئ قد خلعوا من رؤوسهم كلّ ما يمت بصلة إلى المبادئ ، وركضوا نحو أبواب السياسة العريضة ، معلنين للفقراء أنهم القادرون على قيادتهم صوب مرافئ العزّة والكرامة والازدهار .
السياسيون وضعوا بضاعتهم المستهلكة المغشوشة في حقائب المبادئ ، وأصحاب المبادئ أودعوا قيمهم ومقدساتهم في بنوك السياسة الكافرة الملعونة ، ومع استمرار تبادل الأدوار مرّة ، وتشابكها أخرى ، غاب الله عن المشهد ، وعندما يغيب الله ، تظهر الأصنام وتنتشر الأوثان ، أصنام سياسية تبارك لأصحابها كلّ فنون اللعب على حبال النفاق والدجل والكذب ، وتدفع بالشعب إلى الحضيض ، وأوثان تتاجر بشعارات المثالية ، وتتلون بألوان قوس قزح ، وتجرّ الشعوب إلى آبار الخرافة والتخريف .
في بلد الحضارات العتيقة ، يأكل الهتاف بحياة الوطن حنجرة السياسي نهارا ، وفي الليل تتقد همتّه بتمزيق الوطن إلى ألف شظية وشظية ، ويطلّ علينا السياسيون بأهازيجهم التي تمجّد الشعب ، والشعب مختنق بأغلال الذل والجوع والمرض ، ويتفاخرون فيما بينهم بالسير على خطى التحرر والاستقلال ، والجميع يعرف انّ استقلال الوطن في جيوب الساسة الكبار الذين أذلّوا العباد والبلاد ، وكذبة تجّر وراءها كذبة أخرى ، ومسلسل الكذب متواصل .
وفي بلد الضحك على الذقون ، والبكاء على المصالح ، اتهامات متبادلة بين أصنام السياسة ، وأوثان المبادئ ، والجميع يتهم الجميع بإغراء بريق الكرسي الجالس عليه ، وبريق الكرسي الصنم الأكبر ، والوثن الأعظم الذي أطاح بالجميع ، ودفعهم نحو دياجير الضياع وحاضنات الكذب والتزوير ، وكذبة تسحب كذبة ، ومسلسل الكذب متواصل .
وفي وطن الأرامل والأيتام ، موطن الفقر والذل والسكوت ، بلد الصياح والنباح ، يظلّ المسرح متاحاً للجميع ، فرق طائفية ، وأخرى قومية ، وثالثة ليبرالية ، ومسرحيات رديئة حد الرثاء في إعدادها وتمثيلها وإخراجها ، وكل من يريد ممارسة هوايته السياسية فالمسرح جاهز ، لكل الأصوات باستثناء صوت العراق ، وعندما يغيب العراق عن المشهد ، تكون الخيانة السمة الأساسية لكلّ العروض ، ويكون المسرح تافها ورخيصا ، ولا يستحق حتى البصاق عليه .