- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إذا صام السَّيد السيستاني.. صام العراق
بقلم:الدكتور مظفر قاسم حسين
منذ أن ودّع العراق الإمام علي عليه السّلام في شهر رمضان سنة 40 هـ ، لم يحظى العراقيون منذ ذلك التاريخ برجل استطاع أن يملك قلوبهم طواعيّة مثل السيّد علي الحسيني السيستاني.
رجل تميّز بكل شيء .. رجل يسير بخطى واثقة .. رجلٌ حيّر الغرب والعرب .. رجلٌ في بيت بسيط ومتواضع قراره أقوى قرار على وجه الأرض .. لم تثبت عنده الرؤية الشرعيّة لهلال شهر شوال فقرر أن يكون يوم الاثنين متمماً لشهر رمضان المبارك .. رغم أنه يعلم بوجود الهلال فلكياً لكنّ الوجود الفلكي ليس حجةً عليه وحجته حديث الرسول الأكرم " لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلالَ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ "
لقد صام السّيد السيستاني .. وصام العراق معه رغم وجود مراجع الدينية شيعية أخرى ثبت عندها بأن يوم الاثنين عيد الفطر وقرارهم يجب أن يُحترم أيضاً.. ولكن رغم هذا .. لا تجد مظاهر العيد في أغلب المحافظات العراقية .. إن العراقيين بجميع أطيافهم يحترمون صيام هذا الرّجل .. حتى السُّنة في العراق يحترمون صيامه وتراهم يخجلون إظهار مظاهر العيد وإخوانهم الشيعة ممن يقلدون السيد السيستاني صائمون .. هذه هي الرّوح العراقية الأصيلة .. حتى هذا التناغم السُّني-الشّيعي الفريد من نوعه عند الشعب العراقي يُحيّر الغرب والعرب معاً .. ويخططون لكسر هذه الحلقة التي تخنقهم كي نكون ضعفاء .. ورغم محاولات وسائل إعلامية التركيز على مصطلح "مظاهر العيد" إلاّ أنَّ مظاهر العيد شبه معدومة على أرض الواقع .. جميع الطوائف العراقية احترمت صيام هذا الرّجل وصيام مقلديه وهم الغالبية المطلقة من شيعة العراق.
مازال المهتمون في شؤون العراق يحاولون فك هذا اللّغز .. كيف استطاع هذا الرّجل الجالس في أزقة النجف القديمة أن يتربع على عرش قلوب العراقيين ؟ لم يستخدم السّيف (السلاح) ، ولا الوعد ولا الوعيد ، ولم يعدهم بأموال .. إنها كلمة .. فقط كلمة .. حين يقولها هو تُصبح إلتزاماً يصل حدّ الموت ..
أرادت بعض المنشورات التي استهدفت من اتبع السَّيد السيستاني في صيام يوم الاثنين إيصال إشارة بأن من اتبعه متثاقل من صيام هذا اليوم .. ولكن في حقيقة الأمر .. لو وضعت أذنك على صدور من صام يوم الاثنين لسمعت هتافاً يصدح في تلك الصدور قائلين باللّهجة العراقية العاميّة: [ سيد علي، سيد علي، مو يوم وثلث تيّام ، بس آمر كلنا وياك للدهر صيّام ]
ما أريد إيصاله إلى الآخرين، لا تظنوا بأن من يقلّد السَّيد السيستاني يشعر بثقل صيام هذا اليوم .. بل هم قومٌ مستعدون لأن يصوموا الدّهر كله إذا ما طلب منهم ذلك مرجعهم ... هؤلاء قومٌ أحبّوا بصدق وطاعتهم له أحلى من الشَّهد.
مازال الغرب والعرب يفكرون ويتساءلون .. كيف استطاع هذا الرّجل توحيد أُمّةٍ آشورية ومسيحية وصابئية وأيزيدية وشيعية وسنية وعربية وكردية وتركمانية وطوائف أخرى .. ؟ مع أن شخصيات سياسية غربية عدّة سألتني عن هذا الرجل لتعرف أكثر وأكثر بعد أن علمت بأنني قابلته شخصيّاً ثلاث مرات في بيته المتواضع .. وياليت اللقاء يتكرر.
هذا الرّجل المُسدَّد .. يستحق أن يكتب عنه الفلاسفة والمفكرون والعلماء في العلن خير ٌ من أن يكتب عنه ضباط الإستخبارات الأميركية والعربية في السِّر .. لقد إطّلعت بنفسي على وثائق مصورة سريّة عن السياسة الخارجية الأميركية والشرق الأوسط وتضمنت تلك الوثائق نصيباً للسيد علي السيستاني ، عُرضت علينا عندما كنّت طالب ماجستير في العلوم السياسية بجامعة ويستمنيستر البريطانية قبل تخرّجي منها ، أما خلال زيارتي إلى نيتو NATO التي نظمتها جامعة ويستمنيستر لنا يتذكر ضباط النيتو هناك كيف سألوني عن السيد السيستاني ويتذكرون إجاباتي التي صعقتهم وكيف تحدثوا عنه في معرض حديثنا عن العراق واذكر هنا بالاسم " الليفتنانت الكولونيل ميروسلاف أوتشيرا " كي أوثّق هذا الأمر للتاريخ ... شكراً لجامعة ويستمنيستر البريطانية العريقة التي ساهمت بكشف الحقائق لي بأمانتها العلميّة وبحيادية تامة وتخرّجت منها حاملاً معرفةً سياسية غنيّة جداً ماسكاً بيدي مفاتيح عدة تفتح أغلب أقفال أسرار السياسة الخارجية الأميركية والعلاقات الدولية والأمن الدولي.
هذا الرّجل لا يحتاج إلى المديح .. ولكن تنقص كثيرين الشجاعة ليتحدثوا عنه في وقت قلّ فيه الشّجعان وشحّت فيه الأقلام الشجاعة لا أكثر ولا أقل.... وأعلم جيّداً بأنني سأدفع ثمن ما كتبت ، ورضيت بذلك ، سأدفعه بكل رحابة صدر ، فلا خير في إمرء ليس شجاعاً ولا يقول الحق ، هكذا تربّيت .. أن أقول الحق مهما كان الثمن .. وأعتذر من أطفالي إذا ما ضاق العيش ... أريدكم يا أطفالي أن تقتدوا بأبيكم وأن تتعلموا بأن للحق ثمناً فادفعوه بسعادة ورباطة جأش مهما كان ومهما بلغ ...لندع الغرب والعرب يفكرون بلغز إسمه السّيد علي السيستاني ..ودعونا نحن نفخر بما لدينا .
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- المرجع السيستاني.. المواقف تتكلم
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء