- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء السابع
بقلم: د. عبد المطلب محمد
الخطوط العامة لأتفاقيات الأمم المتحدة لهدم الاخلاق والقيم
أ- تفكيك عرى الاسرة وهدم الكيان العائلي
من خلال المواثيق والمعاهدات الصادرة عنها في مجال حقوق الإنسان والمرأة والطفل صاغت الأمم المتحدة استراتيجيات متكاملة دعمتها بأجندات ومفاهيم وأفكار يؤدي تطبيقها على أرض الواقع إلى التعجيل في هدم كيان الأسرة وتفككها وذلك من خلال :
- العمل على المساواة المطلقة ما بين الرجال والنساء في جميع المجالات كهدف استراتيجي نهائي إمعانا في مسخ الفطرة الانسانية وتغيير الوضع الاجتماعي واعتبار أي فارق في الادوار أو التشريعات أو الحقوق الخاصة بالرجل والمرأة تمييزًا وعنفًا ضد المرأة ينبغي محاربته والقضاء عليه وقد بينا في الجزء السابق فساد هذا الرأي ومعارضة التشريع الاسلامي لهذه الفكرة. وحتى وكالة الفضاء الامريكية (ناسا) لاحظت الفرق ما بين الرجال والنساء حيث أشارت الى ان خطر الاصابة بسرطان الرئة لدى النساء أكثر من الضعف مقارنة بالرجال وذلك عند تعرض الاثنين الى مستويات عالية من الاشعاع لفترات مماثلة من الوقت في الفضاء الخارجي.
- دعوة الاتفاقيات الاممية الى إحداث تغيير جذري في الأدوار الفطرية لكل من الرجل والمرأة داخل الأسرة والتي أطلقت عليها الأمم المتحدة مصطلح (القوالب الجندرية النمطية) والدعوة إلى توزيع كافة المهام بالتساوي حيث يتقاسم الزوجان كل المهام والأدوار والواجبات والسلطات داخل الأسرة فتغدو الأسرة بلا قائد، أو بقائدين يتنازعان قيادتها، فيكونا معاول هدم بدلا من أن يكونا أعمدة بناء للاسرة. واعتبرت المواثيق أن (مسؤليات الأسرة ورعاية الطفل) من العوائق التي تمنع المرأة من شغل المناصب العليا.
- دفع المرأة للعمل في الميادين غير التقليدية وممارسة الاعمال الشاقة والعنيفة وفي المجالات التي يشغلها الرجال عادة وفي المقابل دفع الرجال للعمل في المجالات التي تعتمد على المرأة. ونشر موقع الحرة بتاريخ 6 كانون الثاني 2022 تحقيقا عن العراقيات اللواتي يمارسن الرياضة العنيفة كالملاكمة وقام باجراء عدد من المقابلات مع ملاكمات يمارسن هذه الرياضة في مدينة النجف الاشرف ! في تحد للتقاليد السائدة في هذه المدينة المحافظة كما يعترف بذلك كاتب مقال الحرة.
- تشجيع المرأة ودعمها بكل الوسائل الممكنة لتحصل على المناصب التي تسمح لها بأحداث التغيير المجتمعي المستهدف من قبل المواثيق الدولية في مجال الأسرة. ولا يشترط الكفاءة في الحصول على المنصب وانما هو لغرض تحقيق وصول النساء الى مركز يسمح لها بأجراء التغييرات المجتمعية وهذا ما يعمل به حاليا من فرض نسبة مئوية (كوتا) للنساء مثلا في مقاعد البرلمان والوزارات والدوائر الحكومية.
- اعطاء المرأة مطلق الحرية في اختيار محل سكناها وإقامتها، وليس بالضرورة أن تقيم الفتاة مع والديها، أو الزوجة في بيت زوجها وإعطاء المرأة الحرية الكاملة في اقامة العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج وعدم إلزام المرأة بالعدة بعد وفاة الزوج وإعطائها حق عدم الانجاب وانتهاء ارتباط دور الأمومة بالمرأة وتمكين المرأة للشكوى ضد زوجها بتهمة (التحرش الجنسي) و(الاغتصاب الزوجي). وذكر موقع الجزيرة بتاريخ 22/2/2022 بأن الامارات العربية المتحدة قامت, بتأثير من الاتفاقيات الدولية, في تشرين الثاني من عام 2020 بالغاء تجريم العلاقة الجنسية خارج اطار الزواج حيث كانت الامارات تجرم هذه الافعال قانونيا بموجب الشريعة الاسلامية.
يقول الله سبحانه وتعالى في الاية (234) من سورة البقرة (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) وهذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتدن أربعة أشهر وعشر ليال وهنالك تفاصيل تخص مدة هذه العدة يرجع فيها الى المصادر الاسلامية المتعلقة بهذا الموضوع في حين ترفض اتفاقيات الأمم المتحدة هذه العدة. وفي الجزء العاشر من المقال سيتم بيان استنكار وتجريم الشريعة الاسلامية لجريمة الزنى وذكر الآيات القرآنية المتعلقة بهذا الانحراف الاجتماعي الخطير الذي تشجع عليه اتفاقيات الأمم المتحدة.
- إحداث تغييرات جذرية في القوانين والتشريعات والممارسات والعلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة. فتحت مسمى (عنفًا وتمييزًا ضد المرأة أو العنف الأسري أو العنف المبني على الجندر) تدعوا الاتفاقيات الاممية الى إلغاء كافة الاختلافات التشريعية بين الرجل والمرأة في مجال القوامة، الولاية، المهر, تعدد الزوجات, الميراث, واباحة زواج المسلمة بغير المسلم. وبالمقابل الموافقة على حرية الإنجاب أو الإجهاض من دون سبب. كما أدرجت المواثيق الدولية ضمن (العنف ضد المرأة) أي فوارق في المعاملة بين الزوجة والزانية، ووفرت ضمانات الحماية والاحترام للزانية في حين جرمت تعدد الزوجات. أي أن المواثيق الدولية أعطت الزانية مكانة أعلى من مكانة الزوجة الثانية، ووفرت لها الحماية والاحترام الذين حرمت منهما الزوجة الثانية.
وبمقابل هذه الدعوات الهدامة للاسرة التي تدعوا لها اتفاقيات الأمم المتحدة فأن للدين الاسلامي رأي آخر مختلف تماما. لقد الزم الله سبحانه وتعالى الرجل أن يقدم للمرأة التي يتزوجها صداقاً (مهراً) وسمّاه تعالى (نِحلة) حيث يقول في الآية (4) من سورة النساء ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ وهو نوع من التكريم للمرأة وتوثيق لعقدة النكاح. كما يقول القرآن العظيم في الآية رقم (3) من سورة النساء (َفانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) وهو ما تعارضه اتفاقيات الأمم المتحدة.
ان القرآن الكريم يقول في الآية رقم (228) من سورة البقرة (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) في حين تنص اتفاقيات الامم المتحدة على عدم ضرورة هذا الانتظار للمرأة قبل الزواج مرة اخرى. أن القرآن الحكيم يقول في الآية (31) من سورة الاسراء وفي الآية (151) من سورة الانعام أيضا (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ) في حين أن اتفاقية سيداو تعطي المرأة حق الإجهاض حتى من دون سبب.
ان القرآن العظيم يقول في الآية (11) من سورة النساء (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) وفي الآية (176) من نفس السورة (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) وهذه القسمة هي إحدي حالات الميراث طبقا للشريعة الإسلامية التي يرث الرجل فيها ضعف ميراث المرأة ولكنها ليست الحالة العامة الوحيدة، فهنالك حالات عديدة يزيد فيها ميراث المرأة على الرجل وهنالك حالات عديدة يتساوى فيها الاثنان في الارث وهنالك حالات ترث المرأة ولا يرث الرجل (تفاصيل هذه الحالات موجودة في الكتب الاسلامية الخاصة بهذا الموضوع).
ب- ترك الاطفال من دون توجيه
اضافة الى النقاط السلبية التي تم ذكرها والتي تركز بشكل كبير على هدم وتفتيت الترابط الاجتماعي والنظام العائلي وعلى علاقة الرجل بالمرأة ضمن اطار الاسرة, هنالك مواد اخرى فرضتها المواثيق الدولية تتعلق بحقوق الاطفال. فبعد ان تعرضت الاسرة والعلاقة ما بين الرجل والمرأة الى الهدم تمتد معاول خراب المواثيق الدولية الى الطفولة لتتركها بدون عناية ورعاية وتربية.
فالامتيازات التي تمنحها المواثيق للطفل تؤدي بالضرورة إلى تمرده على والديه ورفض أي قيود أو ضوابط يفرضها دين أو مجتمع أو أخلاق واسقاط قيمة الوالدين تحت ذريعة رفاهية الاطفال. والامتيازات التي منحتها اتفاقية (سيداو) للاطفال تشمل :
- منع أي شكل من أشكال التأديب للطفل، سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو المجتمع أو غيرها.
- ضمان الخصوصية المطلقة للطفل ومنع الوالدين من التدخل في حياته الخاصة.
- اعطاء الاطفال الحق في اللجوء الى القانون لمنع أي تدخل في شؤونهم وتضمن تلك الحقوق ممارسة المراهق للعلاقات الجنسية بحرية.
- منح الدولة حق انتزاع الطفل من أسرته وتوفير أسرة بديلة له (سواء جاء ذلك نتيجة قرار جهة قضائية أو إدارية أو جهة معتمدة أو كان نتيجة لمبادرة من الطفل نفسه) كما ذكرت ذلك وثيقة سيداو. أي يكون للطفل كل الحق إذا لم تعجبه أسرته في أن يبادر ويطلب نقله إلى أسرة بديلة. وهذا الامر تعانيه معاناة شديدة حاليا العوائل العربية والاسلامية المهاجرة والقاطنة في دول اوروبا الغربية وبالخصوص في المانيا والسويد. حيث أنشأت المانيا مكتب لرعاية الشباب يعرف بأسم (يوغندآمت - Jugendamt) له الحق بسحب حضانة الاطفال من ابويهم بدعوا تعرضهم للتعنيف أو الضرب أو التهديد أو كل ما يسبب لهم نوعا من الرهاب الاسري.
وهذا ما يحصل ايضا في السويد حاليا من سحب الاطفال من العوائل المهاجرة والعربية والاسلامية بنفس الحجج السابقة وايداعهم الى عوائل سويدية من قبل دائرة الشؤون الاجتماعية (السوسيال) وهي وسيلة لتغيير أفكار الاطفال وعاداتهم وتقاليدهم لتصبح نسخة طبق الاصل من ديانة وسلوك وعادات المجتمع السويدي. ووصل الامر بدائرة الشؤون الاجتماعية السويدي الى انتزاع طفل بعد ولادته مباشرة من أمه التي ما زالت تعاني من الآم المخاض. كل ذلك يحدث وسط مظاهرات واحتجاجات ومناشدات للعوائل المنكوبة بأطفالها مع صمت مطبق من الأمم المتحدة ومنظماتها التي تدعي الدفاع عن حقوق وحريات الانسان والمرأة والاطفال.
وفي العام 2020 تم وضع (9034) طفلا تحت رعاية الدولة السويدية من دون موافقة ذويهم وفق بيانات رسمية.
في عام 2019 قررت السلطات البريطانية منع الاطفال من هم دون الـ (18) عاما من مشاهدة الافلام الاباحية على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) ويتعين على المواقع الالكترونية المعنية التحقق من اعمار زوار مواقعها وذلك لحماية الاطفال ومنع وصولهم الى مواد غير لائقة على الانترنت كما صرحت بذلك وزيرة الدولة البريطانية للرقمنة (ماركوت جيمس). والغريب ان هذا القرار البريطاني يتعارض تماما مع فقرات رفاهية الاطفال كما تطالب بها اتفاقية سيداو. فكيف يمكن تطبيقه من غير تربية ومراقبة وتوجيه اذا كانت بنود الاتفاقية تمنع التأديب وتضمن الخصوصية للطفل وتسمح له باللجوء الى القانون للمطالبة بحقوقه ؟ ان المبدأ الاخلاقي الذي انطلق منه قرار السلطات البريطانية يتعارض اذن مع مواد اتفاقية سيداو وذلك لان مواد هذه الاتفاقية بعيدة عن الفطرة الانسانية السوية ولا يمكن تطبيقها حتى في الدول الغربية العلمانية.
أقرأ ايضاً
- الجنائيَّة الدوليَّة وتحديات مواجهة جرائم الكيان الصهيوني
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير