- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العراق.. تاريخ الأقنعة والوجوه والجلود المدبوغة
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
لأنّنا نجلسُ الآنَ لنتصفّحَ وقائعَ حياة، ومواقف، أولئك الذين صنعوا التاريخ المُلْتَبِسَ للعراقِ طيلة مائة عام، بأدّقِ تفاصيلها، النبيلة منها والمُشينة.. وكأنها حدثت قبل خمس دقائق فقط .
لأنّ "حكاياتَ" الجنرالات، والأشراف، والسراكيل، والسادة والأغوات، والباشوات والأعيانِ، والملوك والوزراء.. ما زالت طريّة في كُتُبِ السيرةِ (الذاتية والرسميّة)، وتفوحُ منها كلّ روائحِ هذا البلد، وها نحنُ نشُمُّها الآن، كأنّ الأغطيةَ قد أُزيحَتْ عنها توّاً.
لأنّ "المس بيل" و "لونكَريك"، و "حنا بطاطو"، وتقارير المخابرات، ووثائق وزارات الخارجية والمستعمرات، ومذكرات السفراء والقناصل، كانت تصِفُ حتّى شكل الحذاء، وتبحث في سرّ حركات اليد الخرقاء للبعض، و شراهة بعضهم الآخر عند التهامه للطَعام في حضرة"المندوبِ الساميّ" على مائدة "السِفارة".. بل وتقدمُ لنا وصفاً باذخاً لرائحة الأبط تحت "صاية" زعماءنا المحليين آنذاك.
لأنّ عباس العزاوي وعبد الفتاح ابراهيم وجعفر الخياط ونجدت فتحي صفوت وموسى كاظم نورس وعبد الرزاق الحسني وعلي الوردي .. بل وحتّى" فاضل عباس المهداوي"، لم يتركوا شيئاً من بذاءاتنا التاريخية، إلاّ وذكروه.
لهذا كلّه أودُّ تذكيرَ من يعنيهم الأمر، بأنّهُ سيأتي، عاجلاً أم آجلاً، ذلك الوقت الذي سيتفرّغُ فيهِ الكثيرونَ، ليكتبوا تفاصيل كلّ هذا الذي يحدثُ لنا الآن، بهدوءٍ، وصفاءٍ تام .. لا يشوبهما "تخوينُ" أو تجهيلٌ، أو شتيمة.
وقتٌ لاخوفَ فيهِ من الضجيج المكتوم لمُسدّساتِ المافيا، ولا من سيوف ملوك الطوائف، ولا من سطوة اللصوص الذين يكتبون لنا الآنَ الأناشيدَ و القصائد، ولا من البنادق "الوطنيّة" لتجّار الحروب القَذرة، ولا من"قادةِ" سُلطةِ الرَيْعِ في هذه ألأرضِ المهدورة.
وقتٌ لامالَ فيهِ ، ولا سلطةَ ، ولا حاشيةَ، ولا "حُصَصَ" للتمويهِ على الفاسدينَ والقتَلَة.
وقتٌ لا نفاقَ فيهِ، ولا تدْليسَ، ولا تَخادُم.
وقتٌ تكونُ فيهِ "فضائحُ" اليومَ ، حقائقَ لليومِ التالي.
وقتٌ تكونُ فيهِ جميعُ " العَوْرات " معروضةً في الهواءِ الطَلِقْ.
وقتٌ سيقولُ فيهِ الجميعُ ، وليس الأطفال فقط ، بأن "السلاطين" و "الأباطرة"، على أمتدادِ وجَعِ أمّهاتِنا في هذا العراق، لمْ يكونوا يرتدونَ شيئاً .. وبأنّهُم لم يرتدوا أبداً شيئاً ما .. غير الأقنعةِ التي رَسَموا عليها سحناتهم الكالحةِ الميِّتة..
غير وجوهنا المسلوخَة ..
غير جلودنا المدبوغة.