- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أمورٌ عاديّةٌ في بلدٍ غير عاديّ
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
أمرٌ عاديّ .. أن يتم إطلاق الصواريخ على مطار بغداد "الدوليّ"، وأن تصيبَ شظاياها طائرة مدنيّة جاثمة على المُدرّج ، وأن يخرج مسؤولٌ في سلطة الطيران المدني العراقي، ليُطمئِنَ العراقيين(وغير العراقيين)، بأن هذه الطائرة"خارج الخدمة"، وأن لا خوف عليهم من السفر جوّاً ، عبر مطارٍ يتم رشقهُ بالكاتيوشا مرّتين على الأقلّ في الشهر الواحد.
أمرٌ عاديّ .. أن تكون مدارسنا "طينيّة"، و"آيلة للسقوط"، و في أفضل الأحوال"كَرَفانيّة"، وأن يزحَف التلاميذ على أرضٍ مفتوحةٍ جرداء لأداء امتحانات نصف السنة، في عام 2022 .. وأن يقوم وزير التربية بإحالة المُعلّم ومدير المدرسة إلى التحقيق، لأنهما هما المسؤولان عن ذلك .. وليس هو .. ولا "دولتهُ" التي كانت أوّل من علّم الناس الكتابة قبل 5000 عام.
أمرٌ عاديّ ، بل هو "اختراعٌ" غير عاديّ، أن تكون مؤسّساتنا التعليمية رائدةً في تطبيق "التعليم البريّ"
wild education في محافظات العراق البائسة الفقيرة ، وأن يتمرّغ التلاميذُ بالطينِ، ويزحفون على رُكَبَهُم في الرمل ، ويُردّدون أبجدية القهر في "صفوفٍ" تلتحِفُ السماواتَ والمُستنقعاتَ، مثل الضفادع.
أمرٌ عاديّ أن يقوم مسؤولون عراقيّون ، بـ "تخدير" المواطنين العراقيين بطريقٍ "للحرير" لا يَمُرُّ بالعراقِ أصلاً ، لأنَ العراق لا يمتلكُ غير"فتحةً" ضيّقةً على البحر، وميناءٍ "صغيرٍ" قيد الإنشاء، وصحراء شاسعة، وتخلّفٍ غير مسبوق، وليس لهُ نظيرٌ، في كلّ مرافق البنية التحتيّة الأساسية.
أمرٌ عاديّ .. أن لا تكون هناك خطوطٌ " بدائيّة " للسكك الحديد ، تربط المدن العراقيّة مع بعضها، وتسمح بانتقال الناس والبضائع بين المحافظات العراقية "المتحدة"، باقلّ كلفة ممكنة، في الوقت الذي تسعى فيه جميع المحافظات إلى انشاء مطارات "دوليّة"، في مجالها "الحيوي" الأقليمي .
أمرٌ عاديّ .. أن تكون هناك منافذ حدوديّة تستوفي رسوم وتعريفات كَمركَية أوطأ من تلك المستوفاة من منافذ أخرى.. وأن تكون هناك منافذ "أخرى" لا تستوفي أيّة تعريفات أو رسوم، ولا تعمل وفق أيّة ضوابط ، لأنّ الحكومة "الأتحادية" لا تسيطر عليها.. وأنّ هناك منافذ "أخرى" تقوم بادارتها كوادر قادمة من كواكب أخرى، وتنتمي إلى "عوالم" أخرى .. وأنّ المنافذ " الأخرى" المتبقيّة ، التي تسيطر عليها "الدولة" ينخرها الفساد.. وأن قانون التعريفة الكَمركَية "الأتّحادي"النافذ المفعول منذ سنوات، لايخضع لأحكامهِ أحد، ولا يعترِف به أحد، ولا يستطيع تطبيقهُ أحد، بما في ذلك السيد وزير المالية "الإتّحادي".
أمرٌ عاديّ .. أن لا تجد "الخضروات والفواكه" العراقية من يشتريها ، في العراق ذاته ، لأنّ أسواق العراق(بـ "علواته" كلّها) غارقةٌ إلى أذنيها بالخضروات والفواكه غير العراقيّة ، وذلك بالرغم من أن المسؤولين عن "ملفّ" الزراعة في " الحكومة الأتّحاديّة " يؤكّدونَ دائماً ، بانّ استيراد الخضروات والفواكه ممنوعٌ أصلاً ، وأنّهم لن(ولم) يمنحوا أحداً تصريحاً أو إجازةً باستيرادها من الخارج ، إلاّ في حالة شحّتها في السوق ، وعجز المنتَج المحلي عن التعويض ، وفي أضيق الحدود .
أمرٌ عاديّ ، أن يتنبأ الخبراء بموت الزراعة في العراق في غضونِ سنواتٍ قليلة ، لأنّنا لا نملكُ مياهاً كافيةً للريّ .. ولا مياهاً صالحةً للشُرب.
أمرٌ عاديّ .. أن يتنبّأ الوزراء والخبراء بزوال عصر النفط ، و"موت" العائدات النفطية خلال السنوات الخمس القادمة ، بينما تقفُ كلّ جهود"تنويع" الإقتصاد العراقي عند "عتبة" مشاريع مجلس الإعمار ، التي أُقرّت ، وتم تنفيذ بعضها منذ عام 1953 ، ولم يُنجَز بعضها حتّى الآن.
أمرٌ عاديّ .. ان يسعى " الخبراء " والمسؤولون التنفيذيّون والأكاديميّونَ و " التجّار " والسياسيّون ، في هذه الدولة ، إلى " تطوير" و "إطلاق" كمّ هائلٍ من الخطط والأستراتيجيات والسياسات والأجراءات والتقارير ذات الصلة بالأقتصاد .. بينما لايوجد هناك " اقتصاد" ، أو "بيئة اقتصادية" مُلائِمة ، وسليمة ، تعمل في إطارها هذه "المعلّقاتُ" الجميلةُ .. أصلاً .
أمرٌ عاديّ .. ان تكون هناك " دولةٌ " بهذه المواصفات و " السلوكيات "، لأنّ هناك من يعتقد أنّهُ "أمرٌ عاديّ" أن تكون الدولة كذلك، وأن تبقى كذلك .. إلى الأبد .