بقلم: حيدر عاشور
اختلفت مواقف المثقفين العراقيين على وجه الخصوص في بناء جيل مثقف في الدولة المعاصرة التي تشكلت أطيافها من ثقافات متعددة، وأخرى متخصصة من القضايا والإشكاليات التي يعيشها المجتمع الحالي، فمنهم من يسعى للبروز من اجل الشهرة او التواجد على الساحة بشكل ملفت للنظر، من خلال الدفاع عن الموضوعية والقيم الحقيقية أو القيم المفتقدة في المجتمع، ومنهم من يهرب من الواقع إيثاراً للسلامة أو عدم القدرة على المواجهة التي قد تجعل بعضهم يهاجر أو ينفي نفسه داخلياً أو خارجياً، ومنهم من التحق بسلطة أياً كانت هذه السلطة، ومنهم من التزم بالثقافة وما تحمل من قيم، مضحياً بالمال والشهرة والمنصب والمكانة والجاه والعمر والأهل من أجل هذا الالتزام.
هناك علاقات غير طبيعية بين المثقف والسياسي في العراق، هذه العلاقة ليس فيها أي نوع من التوازن الفكري فالمثقف يسعى لبناء بنية تحتية للثقافة عراقية رصينة مكملة لثقافة حافظوا عليها الرواد من المثقفين رغم انف حكومة الثقافة المبرمجة والمخططة لمسيرة المجتمع والشعب ولأجل تحول العلاقة من غير طبيعية إلى طبيعية ، ومن ثم إلى علاقة تفاعل إيجابي بين المثقف والسياسي ،سيسهم بكل تأكيد في تحقيق جزء مهم من عملية التغيير في عراقنا وثم النهوض بالمجتمع ،وصنع تاريخ مثقف معاصر، باعتبار المثقف ممثِّل لضمير الشعب ورفض تجنيد الثقافة في ميدان الصراعات الحزبية.
الآن تحديداً يحتاج مجتمعنا لعدد من المفاهيم الثقافية المهمة التي تسهم في تغيير الواقع العراقي البائس كالإنسانية والتسامح والاحترام والتعددية، وعدد آخر من المفاهيم التي يمكن للثقافة أن تؤثر فيها كالعقلانية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فمن خلال هذه المفاهيم التي ترتكز عليها الثقافة بصورة عامة تسهم في تحقيق التطور والتقدم ما يجعل دور المثقف في حياة السياسي القائد للعراق دورا مهما بالإسهام ترسيخ تلك المفاهيم الجوهرية في حياة أي مجتمع متحضر، لكون المثقف له علاقة وطيدة بالمجتمع بشكل عام كالوعي والنقد وهذا شانه ترسيخ المبادئ السامية في الدين والدنيا، وتكون معرفية الشخص اتجاه بلده معرفة وطنية تبعده عن الانتماءات غير شرعية والهدامة وهي العمل ضد الوطن، هذا نتيجة عدم الوعي الكافي، الكثير من ضعاف النفوس استغلوا الفراغ الأمني ولجهلهم في وطنيتهم وحبهم للعراق أصبحوا لصوصا ومن ثم مساعدي للإرهاب الخارجي.
هنا يكمن بيت القصيد في التوعية والثقافة وهذا لا يمكن تحقيقه ما أن تكون علاقة حقيقية بين السياسي والمثقف. ومن هنا ندعو الحكومات العراقية التي ستحكم البلاد أن تبرز دور المثقف لا أن تهمشه وان تدخله العملية السياسية لا ان تجهضه .وان تمنحه الدور الريادي في كل أوجه السياسة، لان المثقف ومن خلال النقد يبرز الكثير من منحنيات الخاطئة لبعض ممن دأبهم الربح السريع من خلال السلطة واستغلال مناصبهم وتحويل السياسة في بناء الوطن الى سياسة تجارية لجني المال فقط ولا غيرة على العراق والعراقيين. فالمثقف ذو تأثير مباشر على السلطة الحاكمة في حالة عدم استطاعته الوصول اليها، لكن سلطة السطوة السياسية وضعت لنفسها مثقفين حسب الطلب يتماشون وسياق أهدافهم إن كانت تصب في صالح المجتمع أو خارجه وتركت وهمشت المثقف الحقيقي، فكانت ولا تزال هي من تحدد وضعية المثقف وليس المثقف من يحدد وضعيته، والمهرجانات التي يقيمها البعض هي إسقاط فرض لوجود ثقافة رمزية تستذكر رموزها البناة وهذه ستنتهي رويدا طالما المثقف يخضع لطرق شتى كي ينفي نفسه أو يموت على الطريقة سياسات الحكومات العراقية الحديثة.
أقرأ ايضاً
- مستقبل البترول في ظل الظروف الراهنة
- هل يستحق المحكوم ظلما تعويضًا في القانون العراقي؟
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر