حجم النص
بقلم:سالم مشكور
التعليم في العراق يحتاج الى ثورة، كما هو الاقتصاد ومنظومة القوانين والصناعة والزراعة والإدارة و...الخ. الثورة لا يقوم بها الشعب، إنما السلطة نفسها، لذلك لن يكون شعارها اسقاط النظام انما اصلاح جذري لجميع القطاعات وأولها التعليم.
عندما بدأ مهاتير محمد مسيرة بناء ماليزيا الحديثة لجأ الى التقشف لتوفير المال، لكنه استثنى التعليم بجميع مراحله، بل زاد من الاستثمار فيه. إمبراطور اليابان جمع الخبراء بعد الحرب المدمرة لبلاده ليسألهم من أين تبدأ عملية إعادة البناء؟ أجابوه: من التعليم، لكننا لا نملك الأموال لإرسال أبنائنا للدراسة. قال لهم: نجوع لنعلّم أبناءنا، وانطلقت قوافل الطلبة الى أميركا وأوروبا ليعودوا بشهادات عليا ويسرّعوا عملية البناء.
عندنا، بدأ التقشف عام ٢٠١٥ بالتعليم، فخُفضت ميزانية التعليم وتوقفت البعثات وخفضت نفقات المبتعثين فعاد كثيرون وبعضهم قرر البقاء بلا عودة. كثيرون تبوأوا مواقع علمية ووظيفية في شركات وجامعات كبيرة، في بلدان دراستهم، ومنها حاولوا خدمة بلدهم لكن الروتين والفساد والأنانية منعتهم. أحدهم تفوق في دراسته وتمسكت به جامعته فتعاقدت معه أستاذاّ لديها، جاء الى جامعة محافظته في العراق وحاول نقل تجربة جامعته، في طرائق الدراسة والامتحانات، عبر تقنيات حديثة توفر الجهد والوقت وتنقل التعليم الى الامام أشواطاً بعيدة، لكن رئيس الجامعة أجابه بكبرياء: هذا لا ينفعنا.
وما دمنا بقينا في ثقافة الاتكالية والكسل وعدم المبادرة الى التطوير، فان الثورة التعليمية يجب أن تبدأ من الأعلى: مجلس أعلى للنهضة التعليمية، بصلاحيات وإمكانيات مستقلة عن نظام المحاصصة والفساد وإشراف حازم من رأس السلطة التنفيذية. كل مفاصل التعليم ومستوياته تحتاج الى اصلاح جذري. التعليم الأساسي والعالي، الأبنية، المناهج (طرق التدريس)، المقرر الدراسي، التجهيزات، أساليب الإدارة، سلوك الكثير من الأساتذة وطريقة تعاطيهم مع الطلبة، وحماية المؤسسة التعليمية والأساتذة من أي تدخلات.
تقنيات الاتصالات الحديثة لا مناص منها، والعالم يخطط أن يكون التعليم عبر العالم الافتراضي هو السائد، حتى بعد زوال كورونا. أساليب التعليم تتطور كل يوم. الاكتفاء بوزارة ينخرها الجهل والفساد وميزانيتها لا تتعدى رواتب موظفيها، يعني أن العراق لن يبقى في مكانه بل يتراجع الى الوراء بينما العالم يتقدم كل يوم.
كي ننهض، لابد من البدء بالتعليم، والتعليم بواقعه الحالي لن ينهض الّا بثورة تقودها سلطة عليا، بإرادة بناء وحزمٍ قادرٍ على إبعاد العملية عن منظومة الفساد والتخريب التي تنخر مؤسسات الدولة.
أقرأ ايضاً
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- ما يميز ثورة عاشوراء خمسٌ على الأقل