- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العِراق: مُعارِضون بمفهومٍ جَديد
بقلم: د. إحسان الشّمري
من جديد، يعملُ العراقيون على صياغةِ مفهومٍ مختلفٍ للمعارضة التي تعاطوا معها على مدى عقودٍ طويلة في تاريخه القريب والحاضر، فالتّعريفُ الكلاسيكي للمعارضة السياسية عراقياً كان يضع النظام السياسي والحكومة والحزب الأوحد في دائرة الإسقاط، ورَسَمَ المعارضون على هذا الأساس خطوط سلوكهم وعلاقتهم مع الدولة بشكلٍ عام.
باستثناء العهد الملكي الذي كانت معارضته تقترب إلى حدٍّ ما من التعريف المتفق عليه في قواميس الفكر السياسي والديمقراطي، إلا أن المعارضة العراقية انتقلت في نهاية خمسينيات القرن الماضي وما تلاها إلى معارضةٍ مسلحة مؤدلجة، لذا شهدنا انقلابات عسكرية وبؤر ثورية وخلايا جهادية وتنظيمات عسكرية نتيجة قمع السلطة لتلك المعارضة، أو أنها أصلاً كانت تؤمن بالسلاح لفرض واقعٍ ما بالقوة، ما رسّخ صورةً في الذهنية السياسية بعد كل هذه السنوات أن هدف المعارضة هو إسقاط الدولة وكل ما يرتبط بالنظام ومؤسساتها.
تقاسمت المعارضة المسلحة في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين في العراق، بعد 2003، الدولة والسلطة والمؤسسات (كغنيمةٍ ديمقراطية) وتجاهلوا عملية تصحيح أو بناء مفهوم جديد للمعارضة يتوافق مع طبيعة النظام السياسي الذي يعد المعارضة جزءاً وجودياً وضرورياً لنجاح الديمقراطية كنظام، بل صاغ أدائهم السياسي مفهوماً هجيناً للمعارضة؛ يتمثّل بأن يكونوا جزءاً من السلطات، لكن في ذات الوقت معارضين لها.
أي المعارضة التي تنشأ نتيجة اصطدام المصالح الحزبية والمحاصصاتية، فلم تؤمن قوى السلطة بمفهوم حكومة الظل في البرلمان، ولم تقتنع بما لديها من السلطة والنفوذ، بل أنها لم تكن قادرة على أن تكون قوى دولة واستمرت بنهج المعارضة المؤدلجة في سلوكها أو في تعاطيها مع المؤسسات والوزارات، أو مع خصومها.
لا معارضة في العراق منذ سبعة عشر عاماً، وهذا ما ولّد فراغاً ديمقراطياً تتحمّله الطبقة السياسية وأحزابها السلطوية، لا دولة ولا مؤسسات حامية لها وللنظام، لا دستور ولا حرية رأي ولا عدالة ولا أمل في بناءِ حكمٍ رشيد.
سنوات من الفشل والفساد والمحاصصة وصراع طائفي وقومي ولم تكن هناك معارضة للتصحيح، ويبدو أن ذلك كان مدروساً، فقد غُيّبت المعارضة الحقيقية كفعلٍ من القوى التقليدية لهدف تسطيح الديمقراطية ولاستمرارها في الإمساك بالسلطة، فالعملية السياسية بهكذا إطار، راعية لمصالحهم فقط دون الآخرين.
ثورة تشرين - أكتوبر 2019، شكّلت أول معارضة شعبية سياسية لكل إخفاقات العملية السياسية، وعملت تشرين كتظاهراتٍ وكوعيٍ على نقد السلطات وفق التزامٍ دستوري وقانوني بثوابت وطنية وعلى طرح فكرٍ وبرنامج سياسي مخالفٍ للفكر السائد، وبذلك قدمت أنموذجاً مغايراً للمفهوم السائد لدى أحزاب السلطة (المعارضون السابقون).
فالمعارضون الجدد، لم يستهدفوا الدولة وإسقاط النظام؛ إلا بشعاراتٍ هنا وهناك هدفها الضغط، لغرض تصحيح الانحراف، وهذا شكّل صدمةً لمعادلة السلطة التي اتخذت دور سلطة الاستبداد السابقة التي عارضوا نهجها، فقدموا خيار القتل والمطاردة والترهيب لكل معارضٍ لهم، بل عملت قوى السلطة التقليدية على استخدام غطاء الدولة للتنكيل بالمعارضين.
لذلك، كشّرت عن أنيابها الدكتاتورية بحكومة القتل وطاقمها في العام 2019، وذهبوا أبعد من ذلك حينما تم ممازجة الدولة بأحزابهم وزعاماتهم؛ بل حتى طائفتهم وأظهروا المعارضين الجدد ضد الدولة والدين والطائفة والقومية بالشكل الذي أصبح من الصعوبة الفصل بينهم وبين الدولة.
نجح المعارضون الجدد في العراق من التشرينيين والمفكرين والنخب، في بلورة مفهومٍ جديد للمعارضة السياسية التي لا تسعى لإسقاط الدولة والنظام ومؤسسات الدولة، ذلك النهج الذي سارت عليه القوى التقليدية منذ عقود عملها في المعارضة.
فالمعارضون الجدد، وقفوا ضد من يسيطر على الدولة خارج القانون والآليات الديمقراطية وضد كل من يعمل على قتل المعارضة كشريكٍ أساس للحكم ولم ينجرّوا إلى رفع السلاح أو الدعوة للجهاد المسلّح ضد هذا النظام؛ بل كان كل هدفهم استعادة الديمقراطية والدولة والنظام التي فشل في إدارتها المعارضون السابقون.
أيُّ حديثٍ للأحزاب التقليدية عن تشكيل معارضةٍ تناهض الحكومة أو الحكومات السابقة، هو محاولة منها للعب أدوارٍ غير مؤهّلة لها ومحاولة للحصول على امتيازات ومساحات تنفيذية جديدة، فالجميع اشترك ومشترك بتقاسم واحتكار ونهب المال العام، وحدهم الذين يتصدون لهذه القوى بالرأي والقلم والتظاهر من يستحقون الحوار معهم، كمعارضةٍ تعمل على بناء العراق.
أقرأ ايضاً
- قُصَّة "الجَندر" في "العراقِ الجَديد".. هل فسحَ الدُّستور المَجال لشرعنةِ "الشُّذوذ" ؟!
- العِراق: التّشرينيّون والتّقليديّون.. صِراعٌ أم مُصالحة؟
- إِلى رئِيس الحكُومة الجَديد المُرتَقب