- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من الغرب الى الشرق أجراس ومآذن .. لقاء يطرق أبواب التاريخ
بقلم: علي حسن
ماذا يحمل البابا في زياتهِ؟
ما هي عوائد ذلك على العلاقات بين الأقلية المسيحية والأكثرية المسلمة في العراق؟
ما هو الدور الذي ينبغي أن يلعبهُ رجال الدين (الصالحين)على المستويين الداخلي والخارجي؟
ما هي إنعكاسات الزيارة على شيعة العراق والعالم ؟
أضحى العالم بحاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضـى، لسيادة التسامح، في إطار هوية إنسانية جامعة، لا تفرق بين المجتمعات؛ بناء على الدين أو العرق أو الجنس، أو غير ذلك من مظاهر التنوع البشري.
فالتسامح هو الضامن الأساسي لتحقق التعايش والتآخي والرحمة، الكفيلة؛ بإحلال الأمن والاستقرار، ونبذ كل أشكال العنف والكراهية والتشاحن، الدافع لإقصاء الآخر، وذلك ضمن الإطار الذي يحفظ لكل مكون خصوصيتهِ وطقوسه.
زيارة للنجف تأتي لتؤكد على محورية الدين وأهميتهِ في أشاعة ثقافة التعايش المشترك والتآلف بين المجتمعات الإنسانية جمعاء ويأتي ذلك في الوقت الذي فشلت فيهِ الكثير من المذاهب الفكرية، كالعلمانية التي تقوم على فكرة الفصل بين الدين والدولة وتحرير السلطة من الرؤية الدينية، في حل معترك الحياة الإجتماعية في بلدانها الأم كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، فالسيستاني الرجل الكبير الذي لم يخرج من دارهِ إلا للضرورة أستطاع في مواقف عديدة أن ينجح بحقن دماء العراقيين على اختلاف الوانهم قبل أن تأملها نيران التباغض والتناحر فتارة تجده مدافعا عن المسيح من خلال موقف واضح وصريح يرفض الإعتداءات الإرهابية عليهم وعلى كنائسهم، وتارة اخرى تجده بأبويته المعهودة ينادي بحقوق الأقلية الأيزيدية دونما ينظر الى دين أو مذهب يتصدى عندما يتخلى الآخرون ليسترجع ما تم الإستحواذ عليهِ من قوى الإرهاب (د.ا.ع.ش) في غضون ثلاث سنوات بعد أن أفتى بالجهاد الكفائي سنة ٢٠١٤ م، جاء هذا في الوقت الذي صرح فيه التحالف الدولي إن الإنتصار على (د.ا.ع.ش) يحتاج إلى ثلاثين سنة والأقل عشر سنوات.
هذه البطولات لأبونا، ولأباهم قصص لا تقل جمال عنها عندما كادت ان تأكل الحرب الأهلية بولندا فتصدى الراحل البابا يوحنا بولس الثاني بما يعرف بمفاوضات (الطاولة المستديرة) التي وضعت لبولندا دستورا وانقذتها من حرب أهلية.
كل هذهِ الأحداث وكل هذا الدور الذي قام بهِ سماحة المرجع الأعلى وقداسة البابا يدفعنا إلى القول إن المرحلة القادمة فيما إذا أستغلت هذهِ الزيارات بالشكل الصحيح هي مرحلة التسامح والعيش المشترك وليست مرحلة "صدام الحضارات" كما يصفها بعض الكُتاب الغربيين فزيارة ممثل أكبر طائفة دينية وأرفع منصب ديني للكنيسة الكاثوليكية وممثل اليسوع على الأرض وخليفة القديس بطرس (بحسب معتقدات الكنيسة)، لرأس الهرم في المذهب الشيعي والمرجع الديني الذي يتبعه ملايين الشيعة المسلمين حول العالم هي رسالة واضحة تدل على عالمية الأديان وقدرتها على تحقيق السلام في الكثير من موارد الخلاف، وهي رد على الإعلام الذي سخرته بعض المؤسسات لإظهار الإسلام (الإسلاموفوبيا) وكأنه دين إرهاب قائم على العنف والدم، والتشيع (خصوصاً) كنخبة سياسية فشلت في إدارة الدولة العراقية، وفصائل مسلحة وضِعَت في قائمة الإرهاب، فهذهِ الزيارة ستسلط الضوء على قيادة المذهب الشيعي الإسلامي وعالميتها المجردة من القوة العسكرية والمبنية على مشاعر الحب والإحترام والتي تدعو فيها أتباعها إلى الإندماج في أوطانهم، وإتباع نهج التسامح الذي يضمن لهم سلامتهم وحقوقهم دونما توظف عاطفية الدين نحو اغراض سياسية قد تثير الإضطرابات في بلدانهم التي يسكنوها، هي إعادة لرسم صورة الكنيسة التي شوهتها الممارسات الدموية عبر التاريخ (في حقبه مظلمة) وحاولت ماكنة التظليل تعميمها لتسوقها وكأنها حقيقة مطلقة دائمة عبر العصور متناسية جوهر الاديان القائم على الاخلاق.
واخيراً فإن زيارة البابا تحمل في طياتها الكثير من الرسائل التي تؤشر أهمية العراق وحضارته التي كُتبت أول أحرفها في الجنوب من هذا البلد.
فمهد الحضارات والأديان لا زال قائماً وراعياً للجميع رغم إختلاف أديانهم وأعراقهم. ومن حقنا أن نصف اللقاء بأنه لقاء أمة بأمة ودين بدين وحضارة بحضارة، فهو لقاء أجراس المغرب بمآذن المشرق.