بقلم: شيماء الحسيني
يشير الله بآياته إشارات لكلّ ذي لبّ، ولعلّ الإشارة التي لابدّ الحديث عنها في هذه الأيام هي العلاقة الجليّة بين ليالي القدر واستشهاد المولى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) فالمؤالف والمخالف يشهد للمولى عليه السلام بأنّه حقيقة القرآن التي تجسّدت للملأ بكلّ معانيه، ففضلاً عن أنّه البناء الذي بناه وأنشأه رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم) بل هو القرآن الناطق. فهل من إنسان بعد رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم) سما بنفسه وخلقه ليطبّق كلام الله خير تطبيق إلاّ عليّ ابن أبي طالب؟! كيف لا وأنّ الله يمدح رسوله (صلّى الله عليه و آله وسلّم) بأنّه على خلق عظيم, وهل أعظم من خُلُق القرآن؟! كما أنّ عليّاً (عليه السّلام) نفس رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم) بشهادة قوله تعالى: ﴿.. فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ..﴾[آل عمران ٦١] وإنّ مَن يريد فهم القرآن وتطبيقه لابدّ له من أن يتقرّب من رسول الله ونفسه (عليهما السّلام) والأئمة من ولده، فكلّ منهم انعكاساً وتجسيداً لآيات الله، وذلك بالبحث في سيرهم وأحوالهم بحث متأمل متدبّر. أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) كان تجسيداً للقرآن، فقد عبد الله تعالى لا خوفاً ولا طمعاً بل شكراً وعشقاً لله، وكان يقول في مناجاته: "إلهي ما عبدتُك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك ولكنّي وجدتُك أهلاً للعبادة فعبدتك". وكان يقول مفصِحاً عن عدله وزهده: "والله لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت". وقد أخبر رسول الله وصيّه عليّ بن أبي طالب بليلة استشهاده، وأخبر عليّ عليه السلام الناس بما أخبره به رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم) فقد ورد في خطبة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) في شهر رمضان وذلك في مسجد الكوفة بأنّه قال: "...فقامَ إليه رجلٌ من همدان فقالَ: يا أمير المؤمنين زِدنا ممّا حدّثك به حَبيبُكَ في شهرِ رمضان فقال: نعم سمعتُ أخي وابنَ عمِّي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله يقولُ: مَن صامَ شهرَ رمضان فَحَفِظَ فيهِ نَفسَهُ من المحارِمِ دَخَلَ الجنّة، قالَ الهمداني: يا أمير المؤمنين زِدنَا مما حدّثَك بهِ أخوكَ وابن عمِّك في شهرِ رمضان قال: نعم سمعتُ خَلِيلِي رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلم يقول: مَن صامَ رمضان إيمانَاً واحتِسابَاً دَخَلَ الجنّة، قال الهمداني: يا أمير المؤمنين زِدنا مما حدَّثك بِهِ خَليلُك في هذا الشهرِ فقالَ: نعم سمعتُ سيدَ الأَوَّلينَ والآخرينَ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: من صامَ رمضان فَلَم يُفطِر في شيءٍٍ من لياليهِ على حرامٍ دَخَلَ الجنّة، فقال الهمداني: يا أمير المؤمنين زِدنا مما حدثك به سيّدُ الأَوَّلين والآخرين في هذا الشهر فقال: نعم سمعتُ أَفضَلَ الأنبياءِ والمرسلينِ والملائكةِ المقرّبينَ يقول: إن سيّد الوصيّين يُقتَلُ في سيّد الشهورِ، فقلتُ يا رسولَ اللهِ وما سيّدُ الشهورِ ومَنْ سيّدُ الوَصيّينَ قال: أَمَّا سيّد الشُهورِ فَشَهرُ رمضان وأَمَّا سيّدُ الوصيّين فأَنْتَ يا عليّ فقلتُ يا رسولَ اللهِ فإن ذلكَ لَكَائِنٌ قالَ: إِي وَرَبِّي إنّه يَنبَعِثُ أَشقَى أُمّتي شَقِيقُ عَاقِرِ نَاقَةِ ثَمُودَ، ثُم يَضرِبُكَ ضَربةً على فِرقِك تَخضُبُ مِنهَا لِحيَتُك" إنّ المتدبّر في مشهد استشهاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) في بيت الله قُبيل وقت الصلاة من ليالي القدر يجد أنه ليس عبثاً ولا صدفة، وإنّما تدبير إلهي وانسجام نوراني يحكي لكلّ ذي قلب واع الحقيقة الإلهية التي طالما حاول المناوئون تزييفها، فليلة القدر ليلة أُنزل فيها القرآن على قلب رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم) بشكل كامل، وهو الثقل الأكبر الذي تحدّث عنه رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم) وبنزوله صارت ليلة مباركة فيها يفرق كلّ أمرٍ حكيم, وهي الليلة التي اختار فيها الله حبيبه عليّاً (عليه السّلام) للشهادة، وكأنه يقول لنا: عليٌّ عِدْلُ القرآن، فالتحق بأخيه رسول الله مردّداً العبارة التي تبيّن لنا التلاحم بينه وبين القرآن: (فزت وربِّ الكعبة)