- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بين التوجيه الوقائي والالزام الشرعي.. فتوى ووصايا اتت بثمارها بمواجهة فيروس(كورونا) المستجد
بقلم:حسنين الزكروطي
"لا تجعل ايامنا القادمة مأساوية"، كلمات تخالجها شهقات وتنهدات (أم) تتحدث الى ولدها بينما كان الخوف يلامس شغاف قلبها المتهالك، وكانت كلما نظرت الى وحيدها، تقول: "انتبه من الآخرين ولا تصافحهم يا بني ولا تعانق اصحابك!!، فالخطر محدق بالجميع، ولا يوجد غيرك لدي، وأخش عليَّ من فقدك، أو نقلك الاصابة لي وانا امرأة مسنة"، وتابعت حديثها بلهفة وخوف لم تستطع عيناها اخفاءه: "ماذا لو كنت مصابا ولا تعلم؟، ونقلت العدوى لغيرك دون قصد؟ ماذا لو كنت مصابا وتعلم انك مصاب، ولم تمتثل للإجراءات الوقائية الموجه بالحد من انتقال الفيروس الى الاخرين؟، وهل تعلم ما الحكم الشرعي في ذلك؟ ارجوك بُني التفت الى خطورة الموقف". صديقك من نهاك وعدوك من أغراك لم يشأ ان تغتاظ منه فارتدى القناع (الكمامة) والقفازات، وابدى تأثره بما افضت به من حديث، وغادر المنزل للقاء اصحابه، وبينما هو واصحابه يتصفحون مواقع التواصل الاجتماعي على ناصية الطريق، التفت الجميع الى خبر حظر التجوال، الذي صرحت به الحكومات المحلية واحدة تلو الاخرى، وراح الشاب يعيد ما تحدثت به والدته منذ الصباح وطلبته منه على اصدقاءه، الذين اعتاد على مناقشة أمور بعضهم، فهم منذ ان اكملوا دراستهم الجامعية لم يتفرقوا عن بعضِهم، وقرروا الالتزام بقرار حظر التجوال، كغيرهم من العراقيين، الذين وعوا الى خطورة الموقف، فـ"صديقك من نهاك وعدوك من أغراك"، من اقوال امير المؤمنين (عليه السلام). لكن ثمة بشاعة تسيّدت الموقف في ساعات اليوم الاول من الحظر حيث تسبب جشع بعض اصحاب المحال التجارية برفع الاسعار مستغلين الظرف الراهن، لكن فطنة المواطنين ودور الجهات المختصة في الحكومة عالجت الامر، ليستقر الوضع الاقتصادي بعدها... وهنا وجهت المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف من خلال ممثلها سماحة السيد احمد الصافي، بعدم استغلال هذه الظروف الصعبة وزيادة الأسعار فهي صفة غير حميدة، كما يجب أن لا تستغل النفوس الضعيفة لهذا الظرف، وعلينا التراحم والمساعدة فيما بيننا. بينما لا زال الشباب يتواصلون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بعد الحظر، فقال احدهم بعفوية: "ما رأيكم بالاجتماع غداء في بيتي!؟". كيف؟!! الا يوجد حظر والناس قانطة في منازلها، ألم تستمع الى توجيه المرجعية "الانسان مطالب بحفظ نفسه وعدم الاستهانة بوباء فيروس كورونا، ويجب تطبيق الوصايا التي تأتي من الجهات المعنية من أجل المحافظة على أنفسنا، فنحن أمام حالة مهمة يجب أن نقف أمامها وعلينا أن نتقيد بالجهات المختصة". نعم يجب التعامل مع هذا الأمر بوعي وعلمية واحترام رأي أهل الاختصاص واتباع توجيهاتهم، فالعبء كبير ويجدر بنا ان لا نزيده عليهم؛ بل ان نتعاون لإنهاء الشدة بسلامتنا جميعا. هاشتاق الوقاية واجب وطني هل تعلمون ان دور الاطباء والملاكات الصحية كبير؟ هكذا قال احدهم، وأُجيب، ان المرجعية الدينية قارنت عمل الأطباء بالمقاتلين لأن كلاهما يدافعان عن الوطن، وترجو لمن يضحي بحياته منهم، في هذا السبيل، أن يثبت له أجر الشهيد، ومكانته يوم الحساب، وهذا شيء عظيم. اذاَ علينا ان نشاركهم في حملاتهم التوعوية ما رأيكم بإطلاق حملة: (هاشتاق الوقاية واجب وطني) على مواقع التواصل الاجتماعي لعلّنا نساهم بتوعية الآخرين حول خطورة الموقف، وضرورة الالتزام بالتعليمات الصادرة من خلية ادارة الازمة. فيما نقل احدهم في المجموعة التي يتواصلون من خلالها على شبكة الانترنيت مقطعا فيديويا لسماحة السيد الصافي اوضح فيه ان للمرجع بيان قال فيه: "لا شك في أن ما يقوم به هؤلاء، هو عمل عظيم وجهد لا يقدر بثمن، لعله يقارب في الأهمية مرابطة المقاتلين الأبطال في الثغور، دفاعاً عن البلد، وأهله". المعجزة في العراق شخص اخر من بينهم، قال: "بالأمس نقلت مجلة الواشنطن بوست عن منظمة الصحة العالمية.. أن العراق حقق (معجزة طبية) في احتواء عدد المصابين بكورونا فيروس.. رغم قربه من إيران وارتباطاته التجارية مع الصين، وقد مضى ثلاثة أيام على ما أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية بأن البؤرة الجديدة للمرض بعد الصين أصبحت أوربا انطلاقاً من إيطاليا التي وصلها الفايروس من الصين عابراً البحر المتوسط، وبعد هذه الأخبار ألا تتفقوا معي بأن العراق كان خلال الشهر الماضي أشبه بمكان تلبدت حوله الغيوم القادمة من الشرق (الصين وإيران) لتمطره بالفيروس.. ولكنه استظل بمظلة قوية وكبيرة فلم تصبه إلا بعض القطرات حتى اندفعت الغيمة غرباً عبر المتوسط وأمطرت وابلها على أوربا مع تأسفنا للجميع شرقاً وغرباً ودعائنا لهم بالسلامة. "الحمد لله فما حقق العراق معجزة، وكيف نجح في الاحتواء (حتى الآن)؟ وما هي تلك المظلة التي لاذ العراق تحتها رغم ضعف إمكانياته الطبية؟. في مقدمة الجواب دعني أشير الى حقيقة اجتماعية في العراق، كعراقي أولاً، وابن عشائر وقرى وأرياف ثانياً ومن الوسط المحسوب على الدين والمواكب ثالثاً، فالبيئة الاجتماعية في العراق بيئة مناسبة جداً للمرض، ولدينا اختلاط اجتماعي كبير، ونمط عيش يشجع على التواصل ليس بالمصافحة فقط بل بالأحضان والمعانقة ولدينا الفواتح والأعراس وكافة المناسبات التي لا يقل حضور الواحدة منها عن 100 شخص ومن يتردد في الحضور فقد كفر بالأعراف الاجتماعية. كذلك نسيت.. ان لدينا عقل جمعي بارع في توبيخ وتعيير من يلتزم بالإرشادات الصحية ويتجنب الاختلاط والملامسة ويتم تصنيفه جباناً وخائفاً. إذا كان الامتناع عن المصاحفة يصنف كخوف وجبن.. وطلب التفرق عن التظاهرات يعتبرُ عمالة للأحزاب فلابد أن يتقدم لهذه التصرفات شخص لا يمكن اتهامه بشيء.. ولابد من مظلة يمشي الناس تحتها لكي لا يعيّرهم أو يتهمهم أحدا، ويبدأ الكل بتقبل الأمر قبل فوات الأوان. أظنك الآن فهمتني ووصلت معي الى النقطة المطلوبة إنه السيد المرجع الاعلى.. دام ظله.. تلك المظلات التي يمشي الناس تحتها في الأزمات فيعلمهم بصمته وكلامه ليكون كما قال جده أمير الصامتين والمتكلمين الإمام علي (عليه السلام): "رُبَّ سُكُوتٍ أَبْلَغُ مِنْ كلامٍ".