- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
القلق النفسي الجمعي في متلازمة كورونا
عباس الصباغ
كان امام العراق حكومة وشعبا تحديان كبيران مزدوجان إبان الشروع بمعالجة ازمة وباء كورونا، التحدي الاول كان على الصعيد الصحي وتمثل في الاجراءات التي اتخذتها خلية الازمة في تطويق انتشار هذا الفايروس وذلك باتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة كغلق الحدود ومنع الانتقال بين المحافظات ومنع التجمعات على كافة اشكالها والاجراء الاهم هو فرض حظر للتجوال العام وقد اثمرت تلك الجهود عن تحجيم انتشار الفايروس الى ادنى حد ممكن ولله الحمد .
والتحدي الثاني هو التحدي الاقتصادي والمالي ولأن ازمة انتشار كورونا جاءت مفاجئة للجميع فقد كان امام خلية الازمة ايضا معالجة الوضع الاقتصادي العراقي بالتزامن مع بقية المعالجات لكي لاتحدث ازمة اقتصادية او يتعرض الامن الغذائي والدوائي للخطر لاسيما وان العراق يعيش اكثر من ازمة اقتصادية خانقة كمسالة تأخير اقرار الموازنة فضلا عن الهبوط المعتاد عليه في اسعار النفط ولكون العراق من البلدان النفطية التي لاتمتلك صندوقا سياديا ليتمكن من معالجة مشاكل الهبوط الحاد والمفاجئ في اسعار النفط ، وكان على خلية الازمة في ظل تلك المعطيات الاقتصادية الحرجة ان تلبي حاجة السوق العراقية وتؤمّن متطلبات المواطنين لاسيما ذوي الدخول المحدودة والفقراء منهم لتمنع حدوث ازمة غذائية تفاقم من حدة الازمة الصحية .
ففي هذا المناخ الملبّد بالأزمات المزدوجة (الامنية / الغذائية / الصحية ) استقبل العراقيون اقسى تجربة يمرون بها بعد تجربتهم القاسية التي مروا بها بعد احتلال تنظيم داعش الارهابي لحوالي ثلث اراضي بلدهم، فتجربة معالجة وباء كورونا لاتقل خطورة عن تجربة مقارعتهم لذلك التنظيم الوحشي ومن هذا المنطلق وصفت المرجعية الرشيدة في فتواها الاخيرة في هذا الشان بذات الاوصاف التي اطلقتها على معالجة تنظيم داعش فكلا المعالجتين تندرجان تحت توصيف متشابه ونتيجة واحدة وهو ابعاد الخطر عن الشعب العراقي ومن يساهم بهذا الامر يكون مجاهدا ومن يموت في هذا المسعى فهو شهيد والمعالجتان هما واجب كفائي واحد.
ومن الطبيعي ـ وفي ظل هذا المناخ المتأزم ومع انتشار وسائل الاعلام الصُفر منها مع استفحال وسائل الميديا غير الرصينة والتي تتصيد اغلبها بالماء العكر ـ ان يلقي كل ماتقدّم ذكره بظلاله السود والقاتمة على نفسية الفرد العراقي لاسيما الذي يعيش تحت مستوى الفقر ويعاني الامرّين من شظف العيش ومن خطورة الاصابة او العدوى بهذا المرض وهو لايملك من حطام الدنيا شيئا ، وقد ترك هذان التحديان الصحي والاقتصادي اثرهما النفسي السلبي على نفسية المواطنين مع ازدياد الانباء التي تتحدث عن ازدياد حالات الاصابة والوفيات في عموم البلد ماشكّل اشبه بالقلق الجمعي والفوبيا الجمعية من المستقبل المجهول ومن حدوث الاسوأ كتأثير انتشار هذا المرض على الصحة العامة وعلى الوضع الاقتصادي الوطني بشكل عام.
ومازاد من تنامي هذا القلق رواج سوق الاشاعات المغرضة التي كانت تبثها وسائل الميديا المنفلتة ووسائل السوشيال ميديا غير المنضبطة بأنواعها مستغلة الضغط النفسي للمواطنين ، فمع اكتشاف اية اصابة حتى لو كانت مشكوكا بها او مجرد اشتباه حتى تمتلئ تلك المنصات والفضائيات المشبوهة بالعواجل الصارخة التي تصور وكأن البلاد قد غمرها طوفان الفايروس القاتل، وتصور وكأن الحدود مفتوحة على مصراعيها لمن هب ودب وتنشر فيديوهات قديمة لسواح آتين من دول موبوءة بهذا المرض. اما على صعيد الامن الغذائي فقد ساهمت تلك الوسائل في اظهار العراق على انه على قاب قوسين او ادنى من مجاعة كاسحة ، فجعلت الناس يعيشون تحت ظل قلق نفسي عارم ليس من حدوث وباء قاتل فحسب بل ومن حدوث مجاعة محتملة ايضا فاخذوا يتهافتون على شراء مايمكن شراؤه من الاسواق حتى الاشياء غير الضرورية ، وانا شخصيا وفي اليوم الاول من فرض حظر التجوال رأيت بأم عيني كيف ان البضائع والمواد الغذائية قد نفدت من الاسواق حتى الادوية قد نفدت هي الاخرى وذلك في غضون ساعات قلائل ، اذ سببت متلازمة كورونا قلقا نفسيا لجميع العراقيين ممكن تشبيهه بذات القلق النفسي الذي سببه الاجتياح الداعشي للعراق وماتركه من تداعيات واسقاطات مدمرة وخطيرة.
والحمد لله فقد نجحت خلية الازمة في مساعيها الرامية لاحتواء هذه الازمة بشقيها الصحي والاقتصادي ولولا جهودها لأصبح الوضع اكثر حراجة وقتامة لاسمح الله وهذا يتطلب وعيا صحيا ونضجا كبيرين من قبل المواطنين في مضمار مسؤولية الحفاظ على الصحة العامة للبلد فالمواطن العراقي كان على قدر المسؤولية الوطنية وهو ماتشير اليه جميع الحقائق الملموسة على ارض الواقع .