المرجعية دقت جرس الانذار
عباس الصباغ
اختزلت المرجعية الرشيدة قلقها من تداعيات الاوضاع في بيانها الاخير و الغاضب بدعوتها جميع الفرقاء العراقيين الى أن يعوا حجم المخاطر التي تحيط بوطنهم في هذه المرحلة العصيبة وأن يجمعوا أمرهم على موقف موحد من القضايا الرئيسة والتحديات المصيرية التي يواجهها البلد، مراعين في ذلك المصلحة العليا للشعب العراقي حاضراً ومستقبلاً .
وكررت المرجعية بامتعاض وقلق شديدين تاكيداتها السابقة والملحّة تجاه مآلات الاحداث الساخنة في الساحة العراقية وتطورات الازمة التي وصلت الى اكثر من طريق مسدود ، ملقية الكرة في ملعب الطبقة السياسية الحاكمة وتأثير مايجري على حياة المواطنين ما ادى الى زيادة معاناتهم اليومية والمعيشية ناهيك عن وضع اللا استقرار والانسداد الذي يكتنف المشهد السياسي العراقي وما يزيد الطين بلة الانتهاكات المتكررة من بعض القوى الخارجية لسيادة العراق ما يعرّض امن البلد الى الخطر ، وهي تؤكد موقفها المبدئي من ضرورة احترام سيادة العراق واستقلال قراره السياسي ووحدته أرضاً وشعباً، ورفضها القاطع لما يمسّ هذه الثوابت الوطنية من أي طرف كان وتحت أي ذريعة كانت.
والمتابع للبيان يجد انه ينطلق من جوهر المشكلة وتصب محاوره في مجال رسم خارطة طريق لوضع حلول ناجعة لأزمات وان المرجعية مع جميع التظاهرات العارمة قلبا وقالبا ومازالت تؤيدها بكل ما أوتيت من قوة ، مع التشديد على سلميتها ووجوب تحقيق مطالبها المشروعة ولطالما اكدت على حق جميع العراقيين في التعبير عن رايهم بصراحة وبالطرائق السلمية عن توجهاتهم بهذا ، وان العراقيين الذين تظاهروا لم يجدوا طريقا اخر غير هذا الطريق المكفول دستوريا وخرجوا في التعبير عن ظلامتهم ومنتفضين ضد حالات الفساد الذي استشرى بشكل غير مسبوق عالميا في كل مفاصل الدولة العراقية ومطالبين بالإصلاح الذي صار مطلبا استراتيجيا للجميع ولامحيص عنه ، ورافضة جميع اشكال العنف والتخريب غير المبرر التي يقوم بها بعض راكبي موجة التظاهرات والمندسون خلالها والمنفذون لأجندات مريبة بعيدة عن الهدف الرئيس للتظاهرات ومدفوعة الثمن سلفا ، اذ تؤكد المرجعية ايضاً على ضرورة تنفيذ الاصلاحات الحقيقية التي طالما طالب بها الشعب وقدّم في سبيل تحقيقها الكثير من التضحيات، وترى ان المماطلة والتسويف في هذا الأمر لن يؤدي إلاّ الى مزيد من معاناة المواطنين واطالة أمد عدم الاستقرار الأمني والسياسي في البلد. .
والمحور الثاني من البيان جاء حول الانتخابات المبكرة التي تأخرت كثيرا والتي يفترض ان تكون الطوق الذي ينتشل العراق من الغرق في مهاوي المجهول والفوضى ناهيك عن ضرورة انتخاب مفوضية جديدة ومستقلة منزّهة عن الحزبوية وبعيدة عن المحاصصة والمناطقية والتوافقية التي دمرت البلاد والعباد ، ولان مجيء وجوه جديدة وكفوءة غير خاضعة للنظام التوافقي التشاركي المحاصصاتي سيكون احد الحلول للخروج من هذه الازمة الطاحنة .
كما حذرت المرجعية من استمرار غض النظر عن قضية الاسراع في تشكيل الحكومة التي تجاوزت السقف الزمني لتشكيلها دستوريا ومن عدم الاستمرار في تسويف هذا المطلب الحيوي كونه الحل الافضل للمشكلة الاساس التي اندلعت التظاهرات من اجله وهو الاصلاح عن هذا الطريق ، وحذرت المرجعية تحذيرا شديد اللغة من لغة التسويف التي مازالت تمارسها الطبقة السياسية او التي بيدها زمام الامور وعدم مبالاتها بمعاناة المواطنين التي زادت كثيرا ، وتأثير هذا التسويف على المصلحة العليا للبلد الذي تقوده حكومة تصريف أعمال بعد استقالة رئيسها التنفيذي منذ شهرين تقريباً وهي حكومة ناقصة الصلاحيات الدستورية ولاتستطيع التصرف بواجباتها القانونية كالموافقة على الموازنة الاتحادية وهي من اكثر الامور حساسية كونها تتعلق بالوضع المعيشي للمواطنين فضلا عن مستحقات مفاصل وهياكل الدولة العراقية من الاموال اللازمة لديمومة الحياة وليس من مصلحة احد تأخر تشكيل الحكومة الجديدة ، فمن الضروري أن يتعاون مختلف الأطراف المعنية لإنهاء هذا الملف وفق الأسس التي أشير اليها من قبل، فانّه خطوة مهمة في طريق حلّ الأزمة الراهنة .
ان النبرة الغاضبة واللهجة الشديدة للبيان الاخير للمرجعية جاءت تماشيا مع اسلوب التصعيد المتلاحق من قبل اغلب المتظاهرين السلميين كرد غاضب على لغة اللامبالاة والتماهل تجاه تلبية مطالبهم من قبل الطبقة السياسية الحاكمة والتي بدأت تتعامل مع ما يجري في الشارع وكأنها في واد والشارع في واد آخر وان استمر الوضع على ماهو عليه لاسمح الله سيقود ذلك الى الانفلات والى مالايحمد عقباه ناهيك عن تعرض الامن الوطني والمجتمعي وسيادة البلد للخطر ولات حين مندم.