بقلم: حمزة مصطفى
عبارة من مفردتين (مهلة, وطن) لكنها تختصر التاريخ والجغرافية معا. الجغرافية بوصفها المكان الذي ينشأ في ربوعه الوطن الذي هو شعب وأرض وسيادة وحكومة, والتاريخ هو مجموع إنجازات ومنجزات وآثار وتراث ومعالم وعوالم وشواخص هذا الوطن. بين التاريخ الموغل بالقدم في "وطن" مثل العراق وبين الـ "المهلة" التي يراد منحها لإعادة بناء هذا الوطن نقف الآن على مفترق طرق.
لماذا نقف على مفترق طرق؟ الجواب لأن الناس خرجت تتظاهر بعد أن وجدت أن الأداء السياسي للطبقة السياسية التي حكمت البلاد والعباد بعد عام 2003 لم يكن منصفا. هل هذه الإجابة كافية أو شافية للغليل؟ لا بالتأكيد. إذن لابد من البحث عن الأسباب الموضوعية لهذا الإنفجار الجماهيري الذي ترتبت عليه حتى الآن تضحيات جسيمة لاتنسجم مع عنوان الحراك وهو "التظاهر السلمي".
المشكلة تتعلق في كيفية بناء الدولة العراقية الحديثة بعد عام 1921 وفي إطار مفهوم المواطنة الذي يجعل الجميع يعيشون في وطن واحد له تاريخ معروف وجغرافية موصوفة. بدء من الملك فيصل الأول رحمه الله مرورا بكبار الكتاب والمؤرخين وعلماء الإجتماع ممن كتبوا عن تاريخ العراق الحديث في عهوده الملكية والجمهورية من أمثال علي الوردي وحنا بطاطو وحسن العلوي وكمال مظهر أحمد وسواهم لم يتمكنوا من الإتفاق على مفهوم جامع مانع للمواطنة العراقية.
لذلك جاءت كتاباتهم سواء في إطارها التشخيصي أم الوصفي أم التحليلي قائمة على أساس محاولة جمع المتناقضات بين ماهو سياسي وأجتماعي فضلا عن الخلافات والتناحرات والمشاكل والإشكاليات التي رافقت بناء تجربة الدولة العراقية طوال ثمانية عقود من الزمن. بعد عام 2003 حين إحتلت الولايات المتحدة الأميركية العراق لم تكتف بإسقاط النظام السابق للإتفاق مع قوى المعارضة العراقية التي يفترض إنها البديل الديمقراطي عن نظام حكم شمولي, بل أسقطت الدولة العراقية.
البديل الديمقراطي لم يكن بمستوى تحدي بناء دولة جديدة من الصفر. الطبقة السياسية التي حكمت البلاد بدء من وصفة مجلس الحكم الفاشلة بإمتياز مرورا بالتجارب الديمقراطية التي تلت وقوامها الإنتخابات وتشكيل الحكومات وتداول السلطة إهتمت بالشكليات الديمقراطية وتركت الجوهرالذي لم يكن ديمقراطيا وعلى كل الصعد.
حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي الذي له أفرد له الدستور العديد من المواد الجيدة هو أبرز ما تفتخر به الطبقة السياسية وهذا صحيح. لكن حين خرجت التظاهرات الجماهيرية بدء من الأول من تشرين الأول الماضي وحتى اليوم لم تخرج لأنها تحب التظاهر المكفول دستوريا. بل خرجت بحثا عن وطن بدا لها مفقودا بدء من الخدمات الى البنى التحتية الى المشاركة السياسية الى السيادة الى الإستقلال والإبتعاد عن النفوذ الإقليمي والدولي.
الديمقراطية بحد ذاتها ليست إنجازا بل هي وصفة في الحكم قد تكون ناجحة أوفاشلة. الإنجاز الحقيقي هو كيفية تجسيد مفهوم المواطنة الذي يضمن حق الجميع في وطن واحد بصرف النظر عن أية خلفيات عرقية أو دينية أو مذهبية أو أيدولوجية أو سياسية.
الباحثون عن وطن خرجوا من أجل ذلك, والمهلة التي منحوها للطبقة السياسية تندرج في سياق ماقدموه من تضحيات تكفي لبناء أوطان لا وطن واحد.
أقرأ ايضاً
- أسطورة الشعب المختار والوطن الموعود
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- القتل الرحيم للشركات النفطية الوطنية