بقلم:علي الشاهر
على مدى عام كامل، أجهدتُ نفسي كثيراً في الدخول إلى تخصّص مهم في مجال الإعلام وهو (تحليل المحتوى الإعلامي)، حيث وجدتُ أنّ هنالكَ فراغاً كبيراً في هذا التخصّص، ويجب أن يتم برأيي تأسيس مراكز خاصة لتحليل المحتوى لمعرفة توجهات أي وسيلة كانت وكيف تعمل، فما تبثّه وسائل الإعلام على اختلاف أيدلوجياتها، يحمل في طياته رسائل مشفّرة وإيحاءات بليغة، وربما أكثرها يعمل بالطبع على العقل الباطن، من خلال ترسيخ فكرة معينة لدى المتلقي تتحوّل فيما بعد إلى سلوك سواء كان إيجابياً أو سلبياً.
وفيما كنتُ أحاول تدريب نفسي على تحليل محتويات إعلامية، خرج علينا فجأة تقرير قناة (الحرّة) الأمريكية، وكان أوّل ما حثّني على مشاهدته هو عنوانه الرئيس (أقانيم الفساد المقدّس)، فلقد أخذتْ مني كلمة (أقانيم) مأخذاً كبيراً، بل وأحالتني إلى قراءة سابقة لذكرى حادثة المباهلة بين النبي الأكرم وأهل بيته (عليهم الصلاة والسلام) ونصارى نجران، إذا وردت هذه المفردة (أقانيم)، حيث قال النصارى للنبي محمد "نقول أنّ عيسى بن مريم أحد الأقانيم الثلاثة"، أي أنّ (أقانيم) تعني الثالوث المقدّس لدى المسيحيين وهو (الله، الابن، روح القدس)..
ولكن ماذا كانت تقصد (الحرة) في استخدامها لهذه المفردة أو المصطلح المسيحي، فيما هي تتناول قضايا أو ملفّات خاصة بالمسلمين؟
لو عُدنا إلى القرون الوسطى الأوربية، والتي شاع فيها حكم (الكنيسة) أو (الطغيان الكنسي) والفساد والقتل الذي جاءت به حتى تمّ سلبها هذه السلطة والانقلاب عليها؛ لعرفنا أن المراد من استخدام مفردة (أقانيم) في تقرير قناة (الحرة) كان لصناعة فجوة وأزمة ثقة بين الأفراد (أتباع أهل البيت) والمرجعية الدينية الرشيدة.. ويمكن أن ندرك ذلك من عبارة (أقانيم الفساد الديني) بدعوى وإيحاء أنّ (العتبات المقدسة) و(المرجعية الدينية) وحتى أبناء السنّة يمارسون ذات السلطة (!!) التي كانت تمارسها الكنيسة، ويجب الانقلاب على هذه السلطة وتجريدها ومن ثمّ عزلها نهائياً، وهذا ما لا يتحقّق على أرض الواقع، فإذا قام الأروبيون قديماً بالانقلاب على مرجعيتهم الدينية (الكنيسة)، فإنّ الارتباط الروحي الذي يربط المرجعية الدينية الإسلامية مع مقلديها وأتباعها يرفض بأيّ شكل من الأشكال أن يتخلّى الناس عن مرجعياتهم التي يثقون بها، وهي في ذات الوقت أثبتت إخلاصها لهم والتاريخ يؤكّد ذلك، ولربما كانت فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية العُليا خير مصداقٍ على التفافِ الناس حول مرجعيتهم الدينية وكذلك إخلاص ووفاء المرجعية وحرصها على حماية الآمنين وصيانة حقوقهم، بل وأنّ المرجعية العليا كانت ولا تزال صمّام الأمان ليس لأبناء الشيعة فحسب وإنما لكلّ العراقيين على اختلاف دياناتهم وأطيافهم.
لذا فإنّ من المهم في هذه المرحلة التاريخية الحرجة هو التأكيد على تقوية الرابطة بين المسلمين ـ شيعةً وسنّةً ـ وبين الرموز الدينية والدفاع عنها والالتزام بتعاليم السماء وما أقرّته وفرضته الشريعة، ويجب أن يكون الرد على مثل هذه الترهات الفارغة والأحاديث المزيّفة هو (الوقوف مع المرجعية الدينية والالتفاف حولها.