د ابراهيم بحر العلوم
اسلوب جديد ينتهجه السيد عبد المهدي يهدف الى تحسين مناسيب الخدمات برافعة تختلف سياقاتها عما موجود في أطار الدولة، ومن دواعي الإنصاف مناقشة بعض الإجراءات الغير تقليدية التي تم تطبيقها وجاءت التجربة برغم حداثتها ومحدوديتها بنتائج طيبة نسبياً في مجال الخدمات.
ان السياقات العامة لمؤسسات الدولة بعد التغيير، افتقرت الى قوة التوجيه والانضباط وضعف التنسيق بين الجهات المعنية، ومع غياب المحاسبة وما اكتنفت الدوائر من فساد وافساد أدى في محصلتها الى تلكؤ المشاريع وتدني مستوى الخدمات، واذا ما اضفنا اليها هشاشة سياقات المتابعة الفاعلة للمشاريع الخدمية الحاكمة، تتضح حينئذ معاناة المواطن. وتأتي هذه التجربة الفتية لتشير الى احداث اختراق في جدار البيرقراطية بعيداً عن السياقات المتعارفة في الدولة.
عمد السيد عبد المهدي منذ ان نال ثقة البرلمان الى الاستعانة بنخب شبابية وتم تشكيل خلية متابعة هدفها معالجة التعرف عن أسباب التلكؤ في المشاريع الخدمية ومحاولة معالجتها من خارج اطار المؤسسات، لذا كان التركيز في اختيار مجموعة من الشباب الواعي الحامل لهم المواطن، تأخذ على عاتقها المساهمة في تحسين مستوى الخدمات ورفع درجة التنسيق بين مؤسسات الدولة لاستكمال المشاريع العالقة.
هذه النخب الشبابية التي تم اختيارها بعناية لم ترهق كاهل الدولة مالياً، بل تم تنسبيهم من دوائر الدولة المختلفة، واغلب عناصرها طاقات حيوية يمتلكها الحرص في متابعة قضايا المواطنين، ولديها الرغبة في العمل الميداني وخاصة في المناطق البعيدة عن المركز، حيث يضعف العامل الرقابي، وان يتم كل ذلك بدون ضجيج ويعلمون ان مواقعهم خالية من أية امتيازات اضافية.
هذه التجربة الشبابية تمنح الامل بما حققته من انجازات في مجالات مختلفة، قد تبدو مساحاتها قليلة نظرا لحجم المشاكل التي يعانيها البلد، لكن الجميل في الامر ان هذه المجاميع بقيت بعيدة عن الظهور الاعلامي، ولعل ذلك احد اسباب نجاحها، وبقيت هذه القوة المجتمعية مستمرة بشكل دؤوب في ايجاد بعض المعالجات والحلول لمشاكل تعانيها المناطق الفقيرة في جانب الخدمات.
ان طريقة عمل خلايا المتابعة الشابة ذات الخبرة الفنية في مجلات متنوعة في مكتب رئيس الوزراء، تتركز اساساً في تنفيذ مهامها بعيداً عن المكاتب، وعندما تشخص الخلية المشكلة في منطقة معينة من خلال المعايشة مع المواطنين، تبدأ بتفكيكها بطريقة علمية للبحث عن اقصر الطرق لحلها، وبعد التعرف على طبيعة المعاناة وأبعاد المشكلة تقوم بسلسلة اتصالات واجتماعات مع الأطراف الحكومية المختلفة للتعرف على المعوقات وكيفية تجاوزها، وعندما تصل الى تشخيص نقاط الاختناق ترفع توصياتها المحددة الى السيد رئيس الوزراء لاصدار أوامره الى الجهات المعنية، وتستمر الخلية بمتابعة تنفيذ الأوامر حتى الوصول الى حل للمشكلة.
والمتابع لعمل خلايا المتابعة وإمكانياتها يصل الى قناعة بان قسم من معاناة المواطنين جراء ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية والعجز الاداري في مؤسسات الدولة في حين ان حلولها ليست معقدة بل انها كامنة في غياب التواصل وانعدام المبادرات، ولا نود الاستغراق في طبيعة المهام التي تولتها هذه الخلايا ونسب النجاح التي حققتها، فذلك قد يكون مبكراً لتقييم تجربة فتية.
ونكتفي على سبيل المثال لا الحصر تسليط الضوء على الجهد التنسيقي المبذول من قبل خلية المتابعة لاستكمال الطريق الرابط بين محافظتي السماوة والناصرية، الذي يبلغ طوله حوالي 65 كم، والذي حصد أرواح المئات من الأبرياء بسبب الحوادث المرورية، وبقي هذا المشروع متلكئاً منذ 2003، فقد باشرت شركة تركية وتوقفت وباشرت وزارة الإسكان عام 2009 وتوقفت، واخيراً جاءت خلية المتابعة نهاية عام 2018 وعقدت سلسلة من الاجتماعات مع وزارة الإسكان والاعمار وشركاتها التي يقع على عاتقها التنفيذ (المعتصم وحمورابي واشور) وهيئة الطرق والجسور وتوصلت الى نتيجة مفادها ان اكمال المشروع بحاجة الى تخصيصات مالية تتجاوز 60 مليون دولار، فاوعز السيد رئيس الوزراء صرف المبالغ المطلوبة للمشروع من موازنة الطوارئ لإكماله، ووضعت خطة من قبل الشركات لتنفيذ العمل على مرحلتين، وكانت الخلية تتابع سير العمل اسبوعياً مع المسؤولين وبشكل استثنائي وبالفعل اكتملت المرحلة الأولى وتم افتتاحه في شهر تموز الماضي وأنهت الجزء الكبير من معاناة الناس في سبعة شهور، واقترحت الخلية على السيد رئيس الوزراء توجيه كتب شكر الى الوزارة وهيئة الطرق والجسور والشركات الثلاثة والمهندس القديم والفرق العاملة والمختبرات لما قدموه من جهد استثنائي، ومن المفترض استكمال المرحلة الثانية (اكساء وتخطيط) في الشهر القادم. وهناك امثلة أخرى تشير الى إنجازات مماثلة ما يجعلنا نتطلع الى دراسة التجربة وتعميقها لتشكل رافعة في حل جزء من اخفاق المؤسسات في تقديم خدماتها.
قبل ستة اشهر كانت هذه الخلية تركز فعاليتها في بغداد والبصرة، اما اليوم فقد توسع نشاطاتها الى باقي المحافظات، انها تجربة فتية تحتاج الى مزيد من الدعم والأسناد لتركيز عملها الميداني وتطوير التجربة واستنفار العناصر ذات الخبرة والطاقة واليد النظيفة وتحصد امتيازاتها في انجاز الخدمة للناس، ان هذه العناصر المجتمعية من رحم المجتمع وملاكات الدولة، مالكة للقدرة على التفاعل مع هموم المواطنين وقادرة لمناقشة القضايا مع كوادر مؤسسات الدولة بمهنية ومسؤولية عالية وكاسبة لثقة رئيس الحكومة، يجب ان يستشعر الجميع بانهم هؤلاء جنود ليصحبوا جزءً لحل المشاكل، وتكون حلقة الوصل لتمكين السيد رئيس الوزراء من حل الاختناقات التي تلف أوضاعنا الخدمية.
أقرأ ايضاً
- الماء والكهرباء والوجه الكليح !
- الحدود العراقية الكويتية بين المطلاع والعبدلي..(وهب الأمير ما لا يملك)
- السلم الاهلي وتقبّل الاخر