بقلم: أياد السماوي
سأل معلم الجغرافية يوما أحد تلاميذه عن الطبقات التي تتكوّن منها الأرض , فأجاب التلميذ معلمه (أستاذ.. الأرض تتكوّن من طبقات متلابسة شي بشي).. فسخر المعلم والتلاميذ من جواب زميلهم وأخذوا يضربون على رحلاتهم ويهتفون بصوت عال (متلابسة شي بشي) , وهذه الحادثة التي مضى عليها أكثر من نصف قرن ذكرّتني بحال الدولة العراقية ومؤسساتها المتلابسة فعلا بالفساد شي بشي , فحال الفساد في العراق اشبه مايكون بالسلسلة القوية المترابطة الحلقات , وهذه السلسة تمّثل النظام السياسي القائم بكل مؤسساته ابتداء من الرئاسات الثلاث ومرورا بمجلس النوّاب والوزارات والهيئات المستقلة ومجالس المحافظات والحكومات المحلية وانتهاء بالسلطة القضائية والادعاء العالم عليه الصلاة والسلام... يوم أمس صوّت مجلس النوّاب العراقي على صيغة قرار من حيث المبدأ بإلغاء مكاتب المفتشين العموميين وتفعيل دور الادعاء العام.
لست من القانعين أو الراضين عن دور مكاتب المفتشين العموميين في ملاحقة الفساد والفاسدين في مؤسسات الدولة العراقية ووزاراتها , ولو كان لهذه المكاتب دور حقيقي وفاعل في ملاحقة الفساد في مؤسساتهم ووزاراتهم لما استفحل الفساد بهذا الشكل المرعب , بل أنّ الواقع يثبت توّرط البعض من هؤلاء المفتشين بالفساد وكانوا غطاء لفساد كبار المسؤولين والوزراء وكبار الموظفين , ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا الواقع أو يغض الطرف عنه , لكن أن تلغى مكاتب المفتشين العموميين اعتمادا على تفعيل دور الادعاء العام في مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين , فهذه هي الطامة الكبرى , أو كما يقول المثل (اضرب الأرض تطلّع بطيخ) أو (عشم أبليس بالجّنة).. ليس كل المفتشين العموميين فاسدين أو غير فاعلين.. وليس من الصحيح إلغاء مكاتب المفتشين العموميين بالاعتماد على وهم أو سراب , فاين هو الادعاء العام لتناط به مثل هذه المسؤولية الجسيمة ؟ وهل تصدّى الادعاء العام يوما إلى ملف واحد من ملّفات الفساد الكبرى ؟ أليس من الأولى قبل الإقدام على خطوة إلغاء مكاتب المفتشين العموميين أن يفعّل دور الادعاء العام ويكون له وجودا وحضورا فاعلا في محاربة الفساد وملاحقة الفاسدين ؟ وهل الخلل في قانون مكاتب المفتشين العموميين أم في طريقة اختيار هؤلاء المفتشين المعتمدة على اساس المحاصصات الحزبية ؟ وفي حالة إلغاء هذه المكاتب هل سيؤدي هذا الإجراء إلى تحجيم وتقليل الفساد في مؤسسات الدولة ووزاراتها ؟ أم أنّ الأجواء ستخلو للفاسدين في هذه الوزارات والمؤسسات وسينطبق عليها المثل (إذا غاب القط إلعب يا فأر) ؟.
إنّ مكافحة الفساد لا تعالج بمثل هذه القرارات المتعّجلة والخاطئة , والفساد في العراق لا يحارب بالفاسدين , وإذا ما أرادت الحكومة ومجلس النوّاب العمل على مكافحة الفساد فليبدؤوا أولا بمكاتبهم وجيوش مستشاريهم وامتيازاتهم ونفقاتهم الخيالية , فليس من المنطق أن يكن المسؤول أو الوزير غارقا في الفساد لأذنيه وفي نفس الوقت يريد أن يصبح بطلا وطنيا من خلال الوعود والشعارات الكاذبة التي لا تغني من فقر ولا تسمن من جوع , ومن يريد أن يحارب الفساد فليبدأ أولا بنفسه ويثبت للشعب إنه غير متوّرط بالفساد.. وقرار إلغاء مكاتب المفتشين العموميين خاطئ ومتّعجل ويصب في صالح الفساد والفاسدين.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً