بقلم: هشام الهاشمي
جاءت حكومة العبادي إلى السلطة والإدارة في ايلول 2014. وكانت لها أربع أولويات: طرد داعش؛ منع حدوث إنهيار اقتصادي بسبب انخفاض أسعار النفط وتكاليف الحرب؛ تصفير الأزمات مع الجيران العرب، والحصول على عضوية في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وقد نجحت في تحقيق كل ذلك. وهي في إطار تلك الأولويات كانت مصممة ونجحت ايضا بـ"إعادة التوازن بالعلاقات الداخلية والخارجية بالاحتواء والمسايرة".
اما حكومة عادل عبد المهدي فقد قامت بإعادة تقييم خطوات الحكومة السابقة؛ فأعلنت في العام 2019 عن سياسة "الاستدارة نحو الخدمات والاقتصاد، بعيدا عن الأزمات السياسية والأمنية"، حيث جاء ذلك التحوّل نتيجة الاعتقاد الراسخ لدى عبد المهدي بأن أكبر تحدٍّ شعبي يتمركز في تحسين الكهرباء والخدمات الضرورية والتقليل من مستويات البطالة والفقر والجرائم الاقتصادية وضبط السلاح السائب. ويرتبط ذلك كله بالصعود المتنامي لمستويات الفقر والبطالة، إلا أن التوجه الحكومي الحالي مع نهاية مهلة المئة يوم، لم يكن مُهيكلاً بطريقة ناجعة، ولم يتحول إلى سياسات عملية وتدابير قابلة للتنفيذ. بل لا يزال البرنامج الحكومي في إطار الطرح النظري، فحسب.
في مرحلة المئة يوم، ظهر لنا صعود أزمة انسحاب القوات الامريكية من الشرق السوري. وأثر ذلك الانسحاب على العراق، وموقف الحكومة العراقيّة منه.
لا يوجد اتفاق بين الباحثين والمراقبين: العراقيين وغير العراقيين على حد سواء، على توصيف "التنمر الجديد" في الاستراتيجية الأمريكية تجاه فصائل الحشد الشعبي؛ فصقور الادارة الامريكية، وفي مقدمتهم بولتون، يدفعون الى خيار المواجهة العسكرية "تأديبية على غرار الهجمات التي تحدث في سوريا" بأدوات سلاح الجو الاسرائيلي. يعد مؤتمر وارسو، الذي دعت له واشنطن، مؤشرا قويا على تحضير امريكي لخلق رأي عام دولي، يبرر هذه الضربات في العمق العراقي. وربما تحالف دولي، تمهيدا لمواجهة عسكرية "باستخدام الأذرع البعيدة الساخنة"، تكون آثارها عميقة على فصائل الحشد "الولائية" في مناطق غرب العراق، خاصة في غرب خط طول 43.
هناك قلق عميق لدى بغداد، في المنطقة، من اندلاع مواجهة عسكرية بين التواجد الامريكي وفصائل من الحشد، وما يمكن ان تسفر عنه من تداعيات ستقلب المنطقة رأساً على عقب.
فبينما يرى البعض أنه "تهديد" أو "ضبط إيقاع" لقوى مسلحة جهادية في العراق، يعتقد آخرون أنها خدمة من أجل الحفاظ على مصالح حلفاء تقليديين من دول الخليج، والاقتراب العسكري جغرافياً لتحييد تمدد الخصوم التقليديين (إيران). في حين ترى أطراف ثالثة أنه مجرد إعادة الولايات المتحدة توجيه قوتها وحساباتها وأدواتها لتحقيق الأهداف والمصالح الأمريكية، بدليل أنها لم تسحب أصولها العسكرية من العراق أو حتى تعيد نشرها.
مجدداً اسرائيل تتحدث عن النشاط الايراني في العراق؛ معلومات اسرائيلية تقول ان الايرانيين نقلوا نشاطهم الى العراق، ونصبوا "بطاريات صواريخ موجهة الى جميع دول المنطقة العربية واسرائيل، وان الجانب الاسرائيلي طرح هذه المعلومات الى الجانب الروسي، خلال إجتماع عقد في تل ابيب مؤخراً..
الاجتماع الذي عقد بين الجانبين الاسرائيلي والروسي في تل ابيب، عقد على مستوى قيادات الجيش في البلدين، وبحث ملفات:
- اعادة التنسيق الامني بين البلدين؛
- الجبهة الشمالية؛
- التموضع الايراني في سوريا؛
- حزب الله في سوريا.
اسرائيل تقول ان ايران، سحبت معظم قواتها الإيرانية من سوريا، وابقت على الفصائل الشيعية الاجنبية القادمة من افغانستان وباكستان وغيرهما. وان عددهم يبلغ حالياً 11 الف عنصر، مع تواجد 9000 عنصر من حزب الله اللبناني.
ألكس فيشمان، المحرر العسكري في صحيفة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية: يقول "التموضع الايراني في سوريا قد تم لجمه هذه الأثناء، لكن حدوث هجوم ايراني ضد اسرائيل من العراق ما زال سيناريو واقعيا، واسرائيل تجري حسابات حول هذا التطور، لكن لم تبت بعد في شأنه".
ويظهر التحول في التقدير الاستراتيجي الأمريكي إلى منطقة العراق، بشكل واضح في موضوعات أساسية:
- إيران؛ من خلال قطع تواصلها البري مع حلفائها "طريق طهران - بيروت"؛
- سوريا؛ من خلال فرض إرادة حلفاء الولايات المتحدة على أرض الواقع، دون التورط في مستنقع الأزمة السورية بقوات برية، والتحرك لمنع روسيا من أن تكون لاعباً رئيسياً في الأزمة؛
- إسرائيل؛ تحقق أمن إسرائيل النسبي، وإدراك أن دول الجوار لا يمثل تهديداً وجودياً، وعدم وجود فصائل مقاومة تهدد إسرائيل بشكل حقيقي ومباشر؛
- العراق؛ الأهمية الإستراتيجية، وبقاء الأصول والقواعد العسكرية، وحاجة اقتصاد العالم إلى النفط العراقي، وامكانية عودة الجماعات الإرهابية واقترابها من كوردستان والأقليات، وحماية الاستثمارات الأمريكية والخليجية في العراق.
وهناك نقاط يمكن أن تسهم في توثيق العلاقات بين الأطراف السياسية العراقيّة:
1- التركيز على الاعمار والخدمات وتحسين الاقتصاد والوفاء بالالتزامات، من جانب كل الأطراف السياسيّة والحزبية.
2- أهمية الحفاظ على سيادة القرار العراقي، واحترام علاقاته الدولية والإقليمية والالتفاف حول قرار بغداد، السياسي والعسكري والاقتصادي.
3- تنويع مصادر الدخل القومي العراقي من خلال توسيع المصالح الاقتصادية مع الدول الكبرى، بحيث تشمل النفط والصناعة والزراعة والأمن والدفاع والاقتصاد والابتكار والتكنولوجيا.
4- ينبغي على الرئاسات الثلاث والكتل السياسية المسيطرة، إعادة تقييم الأسباب والدواعي التي أوجدت ضعف قوة القانون، وعدم القدرة على تنفيذه من قبل رجل القانون. والاستفادة من هذا التقييم في صوغ مستقبل العلاقة مع الآخرين.
5- من المهم العمل على إزالة كل المؤثرات الخارجية على القرار العراقي، التي أوجدت فجوات في العلاقة بين المكونات العراقيّة، وبخاصة في تحديد مصادر التهديد والمصلحة الوطنية. وفي هذا الصدد ينبغي تعزيز دور رئيس الجمهورية الدستوري وتطوير أداء المصالحة الوطنية وبرامج العدالة الإنتقالية إلى شبكة من التفاهمات والالتزامات القضائية والأخلاقية.
6- ينبغي عدم إضعاف العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والخليج وتركيا وأوروبا. والتركيز على تنمية العلاقات بالمؤسسات الخدمية والإنتاجية والاقتصادية. وفي الوقت نفسه الاستمرار في الانفتاح على شراكات استراتيجية، مع روسيا والصين وقوى كبرى في أوروبا وآسيا.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري