د.ابراهيم الجعفري
معايير التفاضل بين الناس متفاوتة وهي ما تؤدي الى رسم الشكل الهرمي في أي بيئة مجتمعية فشعبٌ يتقدّم به المضحي والمصلح والعالم ومجتمع يتقدم به الغني وصاحب الثروة ومجتمع يتقدم به ابناء القبائل من ذوات الشأن والشهرة ومجتمع يتقدم به الأقوياء بدنياً ومجتمع يتقدم به ابناء النبلاء ومجتمع يتقدم به أرباب الفكر والأدب ورواد المعرفة ومجتمع يتقدم به ابناء
الجنس الأبيض ومجتمع يتقدم به ابناء الذوات وو!!.. وسرعان ما تتحول هذه الممارسات الى معيار للتفاضل تتعاطى به مختلف الشرائح الاجتماعية وتنجبل عليه اجيال لاحقة وتتنفسه في البيت والمدرسة والإعلام والسوق فيكون قدراً لها لا يمكن التخلص منه ويطبع مسيرة تلك الشعوب لفترات من الزمن قد لا تكون قصيرة!!.. فمن الصعب تصوّر أي أمة من دون تراتبية بين فئاتها المختلفة لكن التفاوت هذا وما لم يكن للصالح العام يكون وبالاً على المجتمع وينخره من داخله اذا ما كان مقياس التفاضل ظالماً يكرّس الجهل والعصبية والتخلف والذكورية وأنواع الفساد..
على ضوء معيار التفاضل ترتسم صورة البنية الاجتماعية وتتقدم فيها شرائح على غيرها ولقد أشار القران الكريم الى الحقيقة هذه قائلاً "يَا أَيّهَا النَّاس إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وجَعَلناكم شعوباً
وقبائلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّه عَلِيم خَبِير" والآية الكريمة
تجيب على سؤال في أقصى درجات الأهمية والحساسية وهو من هو القوي؟
هل بقوة البدن! أم بقوة العشيرة! أم بقوة الكلام! أم بقوة التهرب! أم بقوة العدوان! أم بقوة الاستلاب! أم بقوة المال! أم بقوة الصلف!.. أم بقوة المنطق!.. أم بقوة العلم!.. أم بقوة الخُلق!.. أم بقوة المظهر!.. تفاوت معيار
القوة يوجِد تفاوتاً إنسانياً على الصعيد الشخصي والصعيد المجتمعي والدولي مما يستدعي بالضرورة تحديد مفهوم القوة الانسانية لتتميز بها الشخصية من
جملة ما تتميز به عن باقي الحيوانات..
تتفاوت معايير القوة من مجتمع لآخر بل من شريحة اجتماعية لأخرى!! وهو ما أوجد تناقضاً بالفهم انعكس على البنية الكلية بالمجتمع وترك آثاراً سلبية على مجال السياسة والأمن والاقتصاد والعلاقات!!..
حين تكون معايير القوة بالأخلاق والفكر
وما ينعكس منها على السلوك من عطاء وتضحية وعدالة وإصلاح يكون بذلك المجتمع في أحسن حال ويكون بها
المواطنون في مأمن من أي شكلٍ من أشكال الظلم والابتزاز.. وتمنع ظاهرة أكل القوي للضعفاء كما هو سائد في بعض المجتمعات!!..
وفي معرض الجواب على سؤال من هو القوي؟ يعترضنا سؤال آخر قبله وهو من الذي يحدد معايير القوة؟؟ هل الانسان
نفسه وبما رزح به تحت تأثير غرائزه من أفعالٍ وردود أفعال أو ما اعتاد عليه من المجتمع من عادات وتقاليد موروثة "بَلْ قَالُوا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُهْتَدُونَ"..
تحديد معيار القوة مهم وتجنّب ازدواج المعايير مهم كذلك وما يعاني منه الناس هو انعدام المعايير أو ازدواجها وهو ما أشاع ظواهر الظلم بالأوساط المختلفة وحين ينعدم العدل في أي مجتمع تنعدم عنده الطمأنينة والاستقرار.. والمجتمع الذي يفقدهما يفقد أهم اسرار السعادة وهذا من أخطر ما يواجهه المجتمع المعاصر وهو اختلال المعايير ليكون من يكذب ومن يسرق ومن يدّعي ويثرثر متقدماً على الآخرين رغم صدقهم وأمانتهم وحكمتهم.. ولن يقرّ لأيّ مجتمعٍ استقراره ما لم تسوده معايير الكفاءة والامانة والتضحية وحب الخير للناس والعدالة وهي من مصاديق التقوى.. }
أقرأ ايضاً
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة