- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مخاطر سهولة النشر ومجانية التواصل
بقلم: د. حيدر علي الأسدي
- الذائقة ستؤول إلى خراب وفوضى في ظل كم النتاجات الأدبية التي تطبع يومياً
- الكثيرون تحولوا إلى كتّاب بين ليلة وضحاها.. بل تصدروا المشهد في ظل تراجع الكاتب الحقيقي
الكتابة بحد ذاتها فعل ثقافي، يندرج ضمن ممارسة حرية التعبير، ولكن ان تكون الكتابة ذاتية وبحثاً عن مجد شخصي ومصلحة شخصية مفرطة، بعيداً عن كل الاعتبارات الفكرية والتربوية والتوجيهية، فهنا يكمن الخلل الكبير الذي يتحول لظاهرة بين ليلة وضحاها، فهناك العديد من الأصوات التي «تكتب ولا تقرأ»، وما ان تخوض معه حواراً بسيطاً حتى تدرك ان هذا الشخص مندفع ويرغب بتكوين اسم ادبي له بالسرعة الممكنة، وهذه إحدى سلبيات الجيل الجديد للأسف الشديد، فلكي تكتب يحتاج لك مداد من القراءة، ستدرك الأمر جلياً بالمجانية والسرعة في كتابات العديد من الأدباء، ولا سيما الشباب في مختلف بلدان الوطن العربي، او عدم الركوز والمصدرية في اغلب كتاباتهم، التي تقوم على ردات الفعل دون الإشارة الحقيقية الى مكامن جوهر المشكلة أو أبعادها المرجعية والحقيقية.
استسهال النشر
الكثيرون منهم يبحثون عن كتابة «الشو» أكثر مما يسعون إلى كتابة موقفية مسؤولة، فمن الأسباب التي تدفع هذه الأصوات إلى هذه الامر هو الإصدارات السريعة، التي أصبحت ظاهرة كبيرة في الوطن العربي، في ظل «مجانية النشر» دون رقابة أو سيطرة تذكر. كل من لديه بعض الأموال بالإمكان ان يصدر كتابه «تحت أي جنس كان»، وتجد العديد من هذه النتاجات لا تصلح حتى للنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، فهي عبارة عن تجارب بسيطة وسطحية بعض الشيء (إلا ما ندر من النتاجات النوعية).
أرى ضرورة تدقيق تلك النتاجات من دور النشر، وعدم الاكتفاء باستحصال الأموال مقابل طباعة «أي شيء»، لأن الذائقة ستؤول الى خراب وفوضى في ظل كم النتاجات الأدبية التي تطبع يومياً، يجب ان تكون هناك سيطرة وتدقيق صارم على خروج تلك النتاجات للضوء، كثيرون اليوم يبحثون عن «النجومية» والترند والشهرة والوصول السريع، بغض النظر عن المحتوى الذي يقدمونه.
دور وسائل التواصل
لقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تردي النتاجات أيضا، من خلال مجانيتها «وتفاعليتها المرعبة»، فصار بإمكان أي شخص يكتب عبارة عادية ان يكون «ترنداً» لأيام، وبالتالي حفزت العديد من الشباب والمدونين ليتحولوا الى كتّاب بين ليلة وضحاها، بل أخذوا يتصدرون المشهد في ظل تراجع الكاتب الحقيقي والاديب الحقيقي، اليوم العديد من الادباء يجمعون ما كتبوه في مواقع التواصل الاجتماعي، لكي يحولوه الى نصوص «مطبوعة»، وأيضاً صار الجميع يشاهد الجميع، فكل يرى نظراءه يصدرون نتاجاتهم تأخذه الدافعية لتكرار هذا الفعل الإنتاجي، وبالتالي شهدنا فورة عارمة من النتاجات التي خرجت في ظل قفزة سيادة مواقع التواصل في حياة المواطن في بلدان العالم كافة، وبخاصة العربية منها، فثمة من يفكر بطريقة الوصول السريع والبحث عن المجد من الطرق المختصرة، ويعتقد ان تلك النتاجات والمطبوعات ستوصله الى هذا الحلم والطموح، وربما بعضهم فعلاً وصل الى ما يريد من خلال هذه النتاجات السطحية، التي ربما تناغم «مزاج الشارع/ الجمهور عايز كده»، لذا تباع العديد من الكتب في بعض البلدان، لأنها توفر لهم ما حرموا منه من الواقع المتناقض والمتشدد والخانق في احايين كثيرة.
أسباب الظاهرة
والأسباب كثيرة لوصولنا إلى هذا الحال، وأبرزها باختصار لا توجد رقابة حقيقية وسيطرة على ما ينتج وما يطبع، لا في دور النشر العربية، ولا حتى في مواقع التواصل الاجتماعي. ويجب أن تكون الجودة والرصانة من خلال مقياس مستوى ثقافة ولغة ووعي الكاتب وخبرته في التعامل والتعاطي مع المفهوم الحياتي ومشكلات الحياة اليومية، التي تؤثر بالفرد، ولا يترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب ان يدلو بدلوه، وبآراء أقل ما يقال عنها انها بعيدة عن جادة الصواب، وقريبة من السطحية والهامشية، وربما إثارة النعرات والمشكلات الايديولوجية، فمن يحق له أبداء الرأي هو الشخص الكامل الوعي والشخصية السوية، ومن يمتلك ثقافة لا بأس بها، ورجاحة بالعقل، والعدالة بالقول، وألا يتاح لأي كان التحكم بالآراء، وهم أكثرية في غالب الأحيان، لأن هذا الآراء ربما تؤثر بالناس، وبخاصة شرائح عديدة من الأطفال والمراهقين، ومن الذين لا يملكون الوعي الكامل لإدراك حيثيات الأمور، وعليه ان الرأي مسؤول، والنتاج مسؤول، وعلى الجهات المعنية بالمفصل الثقافي والادبي ان تعيد النظر للحد والسيطرة على هذه الفوضى الحاصلة قبل ان يغرق الجميع بالخراب والقبح.
أقرأ ايضاً
- النشر الصحفي لقضايا الرأي العام
- المخدرات أكبر المخاطر التي تفتك بالعراق
- تراجع الدولار وأرباح الذهب وأصول المخاطرة