بقلم: هشام الهاشمي
استخدمت القيادة المشتركة العراقية القوات البرية بكل صنوفها في نحو 14 حملة عسكرية لملاحقة فلول داعش إبتداءً من تاريخ اعلان النصر في نهاية عام 2017 وحتى شهر تشرين2/ نوڤمبر الجاري، على نطاق واسع لمواجهة ما سمّتها بالفلول الإرهابية والخلايا النائمة الداعمة لها ضمن ما عرف باستراتيجية "تمكين الأستقرار"، وخاضت في هذا الصدد حملات خطيرة في تلال حمرين ومخمور وجبال الخانوگة وصحراء الأنبار وجزيرة الثرثار وصحراء الحضر وبادية البعاج، كما عززت وجودها الأمني في الكثير من مناطق الحدود شمال نهر الفرات بالقرب من الحدود مع سورية.
وعلى المستوى الداخلي للمحافظات المحررة، توسّعت الدولة في عسكرة الأحياء والشوارع الرئيسية بشكل مبالغ فيه، إلى حد أصبحت معه تعاني حالة من التخمة الاستخباراتية غير المسبوقة، وهي الحقيقة التي سمحت بعودة المخبر السري مرة اخرى بمعلومات مضللة واخبار لا تأتي بنتائج صحيحة.
هذه التخمة الاستخباراتية انعكست بشكل سلبي على فعالية جهود ملاحقة بقايا وفلول داعش. فمن ناحية، تسبّب هذا الكمّ الضخم من المعلومات الاستخباراتية، التي تراكمت لدى دوائر المعلومات والأجهزة الأمنية في تعقيد إمكانية استخدام هذه المعلومات أو الاستفادة منها، وجعل من الصعب تدقيقها وتحليلها وايضاً من الصعب إيصال القضاء لقناعة أصدار مذكرة توقيف أو تحري.
ومن ناحية أخرى، أوجدت هذه التخمة الاستخباراتية تداخل بين دوائر المعلومات المتعددة ومشكلات تنسيقية في عمل الأجهزة الأمنية التنفيذية والاستخباراتية المختلفة والإشراف عليها والتحقق من مصداقيتها وحقيقتها أمام قناعة القاضي.
فالعديد من هذه الدوائر والمؤسسات تكرر العمل نفسه وايضاً تكرر نفس المخبر السري ومصادر المعلومات من حيث لا تدري وبالتالي تقوم بالعمل نفسه وقد تصل الى نفس النتائج، وهذا يعني ضياع الجهد وهدر الوقت والمال.
أضف إلى ذلك المشكلات الكبيرة والمعقدة في ملفات النزاهة وحقوق الإنسان والانضباط العسكري والشرطي، التي يثيرها هذا العدد الضخم من الدوائر المعلوماتية والاستخباراتية.
بالرغم من هذا العدد الضخم من الدوائر والمؤسسات المعلوماتية التي تعمل في العراق، فإنها لم تتمكن منذ عام تقريبا من التدقيق الأمني للمتعايشين تحت حكم داعش وانهاء ملف سلامة الموقف الأمني للنازحين والمهجرين وايضاً لا تزال تلك الأجهزة متأخرة بخطوات عن السبق الأستخباري خاصة فيما يتعلق بكشف الهجمات الإرهابية الخطرة التي كانت تستهدف المواطنيين على طريق بغداد-كركوك.
بالتالي لا بد التركيز على توحيد الجهد الاستخباراتي وتقليص عدد الدوائر المعلوماتية وتطوير مهارات عناصرها بالتدريب والبعثات الخارجية وتوفير مبالغ مالية مخصصة للمصادر المباشرة وغير المباشرة وتوفير تقنيات الملاحقة والتجسس والمراقبة الحديثة وتشريع قوانيين خاصة بمعاقبة وحماية الشهود والمصادر بحسب مصداقية معلوماتهم، فالحملات الأمنية والعسكرية بمفردها في مطاردة فلول داعش وخلاياه النائمة لا يمكن أن تحقق النتائج المبتغاة، بل قد تأتي بالنتائج العكسية.
لقد أكّدت نتائج الحملات العسكرية والأمنية الأخيرة، التي خاضتها القيادة المشتركة العراقية لنحو سنة أن الاعتماد على الأساليب الأمنية والعسكرية ومنطق القوة فقط لن تؤتي ثمارها في القضاء الجذري على بقايا داعش، وأن هناك حاجة إلى معركة استخباراتية واعية جديدة شاملة، تأخذ في الاعتبار ضرورة استبادل المصادر المسيئة وتدقيق معلوماتهم، وعزل ومحاسبة ضباط الاستخبارات الذين تدور عليهم قرائن الفساد والرشوة وانتهاك حقوق الإنسان، والتي تفضي إلى تنامي انصار داعش ونزعات الكراهية والطائفية والقومية.
ولا بد السعي الى تحقيق هدف مهم، وهو الأمن قرار اجتماعي، وتعزيز إجراءات بناء الثقة مع المواطن في المناطق المحررة، واتخاذ إجراءات جادة في مجال التصدي للفاسدين من ضباط الاستخبارات ودوائر المعلومات ودفع جهود تحقيق العدالة من خلال القضاء، بالتوازي مع إسناد ودعم الضباط والقضاة اهل الكفاءة والمهنية بما يليق بعد نجاحهم في ملاحقة العناصر الإرهابية وإفشال مخططاتها.
بمعنى آخر، يجب أن يكون المواطن هو أهم الجوانب في أي استراتيجية لمطاردة فلول داعش وكشف الخلايا النائمة، وليس الجانب الأكثر تضررا منها، وهو أمر بدأت تدركه القيادة المشتركة العراقية منذ شهر حزيران/يونيو 2018، لكن تظل المشكلة في كيفية وضع هذا الإدراك موضع التطبيق.