- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الصرخة الحسينية / الجزء الثامن
بقلم: عبود مزهر الكرخي
والآن لنستعرض بطل شاب من المعسكر الحسيني والذي تفوح منه كل معاني الشجاعة والكبرياء والعظمة ورفض كل اشكال الظلم والباطل وعدم ومداهنة الظالمين والمنحرفين وهو
علي الأكبر بن الإمام الحسين (عليهما السلام)
اسمه ونسبه:
علي الأكبر بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
ولادته:
ولد علي الأكبر في الحادي عشر من شعبان 35 هـ، أو 41 هـ.
أُمّه:
السيّدة ليلى بنت أبي مُرَّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأُمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أُمية.
قال صاحب معالي السبطين إنمّا سمّاه أبوه الحسين (عليه السلام)علياً ردّا على من أراد طمس ذكر علي عليه السلام وإخفاء سيرته، ولم يقتصر الامام الحسين (ع) على ذلك بل سمّى أولاده الثلاثة علياً(1).
وهنا أحب أن انوه الى نقطة معينة بخصوص جدته من أمه وهي بنت أبو سفيان والحقيقة يبدو ان للقارئ ان هذا فيه شبهة والحقيقة غير ذلك فان العرب كلها كانت تفتخر بمصاهرة بنو هاشم لأنهم النسب العظيم والذي يتصل برسول الله(ص) ليصل الى نبي الله إسماعيل الذبيح(ع)
هذا من جهة اما من الجهة الأخرى فأن بنو ثقيف هم قبيلة معروفة لدى العرب وهي من القبائل التي تتشرف العرب بنسبها لهذا تم هذا النسب بين بنو امية وبنو ثقيف ليتم بعدها النسب الهاشمي فالأمام علي الأكبر هو ينحدر من نسب عالي الفخر والمرؤة فأمه ثقفية وينحدر منه المختار الثقفي(رض)وحتى فاتح العراق أبو عبيدة الثقفي وغيرهم الابطال وهذه القبيلة من الموالين للأمام علي(ع) وأهل البيت. فالأسرة الكريمة للأمام علي(ع) يقول عنها عباس محمد العقاد(المشهور عن الإمام علي عليه السلام أنه أول هاشمي من أبوين هاشمين. فاجتمعت له خلاصة الصفات التي اشتهرت بها هذه الأسرة الكريمة وتقاربت سماتها وملامحها في كثير من اعلامها المقدمين، وهى في جملتها النبل والأيد (2) والشجاعة والمروءة والذكاء، عدا المأثور في سماتها (3) الجسدية التي تلاقت أو تقاربت في عدة من أولئك الأعلام(4).
وقد لخّص المقريزي المنافسة التي بين الهاشميين والاُمويّين في بيتين، فقال:
عبدُ شمسٍ قد أضرمتْ لنبي ها***شمٍ حرباً يشيبُ منهَا الوليدُ
فابنُ حربٍ للمصطفى وابنُ هنْـ***دٍ لعليّ وللحُسينِ يزيدُ
"...والموازنة بين هذين الخصمين هي في بعض وجوهها موازنة بين الهاشميين والاُمويّين من بداءة الخلاف بين الاُسرتين، وهي موازنة حفظت كفتيها على وضعهما زهاء سبعة قرون، فلم يظهر في هذه القرون أموي قح، إلا ظهرت فيه الخصال الاُمويّة المعهودة في القبيلة بأسرها، ولم يظهر في خلالها هاشمي قح إلاّ رأيت فيه ملامح من تلك الخصال التي بلغت مثلها الأعلى في مُحمّد بن عبد الله (عليه الصّلاة والسّلام) ". ثم يضيف"...فبنو هاشم في الأغلب الأعم مثاليون أريحيون ولا سيّما أبناء فاطمة الزهراء عليها السلام، وبنو اُميّة في الأغلب الأعم عمليون نفعيون، ولا سيّما الاُصلاء منهم في عبد شمس من الآباء والاُمّهات "(5).
سماته الظاهرية
قالوا عن سماته انه كان معتدل القامة عريض المنكبين، ابيض اللون مشروب بحمرة، اسود العينين كث الحاجبين، اذا مشى كأنه ينحدر من الأرض، يلتفت بتمام بدنه، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، وتفوح منه رائحة المسك والعنبر(6). كان (عليه السلام) من أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خُلُقاً، وكان يشبه جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنطق والخَلق. وحينما خرج الأكبر للقتال يوم عاشوراء، قال الإمام الحسين: { اللّهمّ اشهدْ على هؤلاء القوم فقد برزَ إليهم غُلامٌ أشبهُ النّاسِ خَلْقَاً وخُلُقاً ومَنْطِقاً برسولك }(7).
مساندته لأبيه الحسين (ع) وشجاعته:
لمّا ارتحل الإمام الحسين (عليه السلام) من قصر بني مقاتل خفق وهو على ظهر فرسه خفقة، ثمّ انتبه (عليه السلام) وهو يقول: { إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجِعُون، والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمين }، كرَّرها مرَّتين أو ثلاثاً.
فقال علي الأكبر (عليه السلام): (ممَّ حمدتَ الله واسترجَعت) ؟.
فأجابه (عليه السلام): { يا بُنَي، إنِّي خفقتُ خفقة فعنَّ لي فارس على فرس، وهو يقول: القوم يسيرون، والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نُعِيت إلينا }.
فقال علي الأكبر (عليه السلام): (يا أبَه، لا أراك الله سوءاً، ألَسنا على الحق)؟ فقال(عليه السلام): { بلى، والذي إليه مَرجِع العباد }. فقال علي الأكبر (عليه السلام): (فإنّنا إذَن نمضي و لا نُبالي أن نموت مُحقِّين)، فأجابه الإمام الحسين (عليه السلام): { جَزَاك اللهُ مِن وَلدٍ خَير مَا جَزَى وَلَداً عن والِدِه } (8).
وهنا نقف على هذا الموقف الشجاع لعلي الأكبر وهو موقف يمثل موقف الأنبياء وهو يشبه موقف نبي الله إبراهيم عندما أمر الله سبحانه وتعالى بذبحه فقال له { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}(9) وهنا يتجسد موقف الأنبياء في هذا السلوك والذي كان الأمام علي
الأكبر(ع) سلوكه سلوك الأنبياء ولايختلف عنه وبالحقيقة كان سلوك الأكبر هو أشد أخلاصاً وامتثالاً لأمر سبحانه وتعالى ولأبيه عندما عرف أنه على الحق وهو متأكد من ذلك ولكنه قال له وبكل شجاعة نمضي ولانبالي فكان هذا الموقف هو موقف نابع من صرخة حسينية خالصة في الوقوف بوجه الظالمين وبكل عنفوان وشموخ وكبرياء وشجاعة.
والموقف الثاني العظيم والسامي لهذا البطل الشاب حيث "ذكر أهل النسب أنّ أمّ علي الأكبر، ليلى ابنة أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمّها ميمونة ابنة أبي سفيان، بن حرب، بن أمية، بن عبد شمس، ولهذا ناداه رجل من أهل الكوفة حين برز للقتال بين يدي أبيه: إنّ لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد، وهو يريد رحم ميمونة ابنة أبي سفيان فإن شئت أمّناك! فقال له علي الأكبر: { ويلك، لقرابة رسول اللّه أحق أن تُرعى }(10).
فهذا الموقف البطل هو جدير ان يكتب بأحرف من نور ويخلد عبر التاريخ في كيفية الوقفة الشجاعة لهذا الشاب المؤمن برسالة أبيه وتطبيقها حرفياً والثبات على المبادئ ورفض الباطل وبالرغم من قلة الناصر وقلة عدد المعسكر الحسيني وكثرة عدة وعديد جيش الكفر والطغيان ليزيد ولكنه ذلك لم يحرك شعرة منه بل ازداد موقفه قوة وصلابة وبعد قتل جميع انصار أبي عبد الله وخروجه إلى الحرب ليكون أول شهيد هاشمي من أهل البيت. والذي بهذا الموقف هو موقف يعجز القلم عن التعبير عنه والذي كان موقفاً لم يأتي به أبن لأبيه من الأولين والأخرين والذين موقفه هذا فاق مواقف الأنبياء وفاق موقف أسماعيل لأبيه أبراهيم وبكل المقاييس والأشكال.
ويبدو ان الكتابة عن هذا البطل المغوار يتطلب كتابة جزء آخر منه والتي سنكملها في جزئنا القادم أن شاء الله أن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ الحائري، معالي السبطين، ج 1، ص 206.
2 ـ جمع يد ومن معانى اليد: القوة والنعمة والإحسان.
3 ـ أي علاقاتها.
4 ـ كتاب عبقرية الأمام علي. تأليف عباس محمود العقاد. الناشر وكالة الصحافة العربية(ناشرون). طبعة(2018). باب صفاته ص 11.
5 ـ كتاب الحُسَين عليه السلام أبو الشّهداء. عبّاس محمود العقّاد. منشورات الشّريف الرّضي. وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام). الطبعة الثّانية. باب (موازنة) ص 41 ـ 42.
6 ـ السماوي، فرسان الهيجاء، ص 293 ــ 294.
7 ـ ابن طاووس، اللهوف، ص 139.؛ الخوارزمي، مقتل الحسين، ج 2، ص 34. من أخلاق الإمام الحسين (ع) - عبد العظيم المهتدي البحراني - الصفحة ٢٣١. محدثي، موسوعة عاشوراء، ص 251
8 ـ أبو مخنف، وقعة الطف، ص 276.؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 3، ص 309.
9 ـ [ الصافات: 102 ].
10 ـ ابن عساكر، ترجمة الحسين، ص 227.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول