بقلم:عباس الصباغ
الاستفتاء الفاشل كان القشة التي كسرت ظهر النزعة الانفصالية لدى مسوّقيه ومروّجيه، فالنتائج التي جاءت "بالمقلوب" كسرت جميع آفاق التوقع التي كانوا يتوّخونها، فقد خسروا كل شيء ولم يربحوا حتى جمهورهم في كردستان والرافض بنسبة كبيرة للاستفتاء وللأجندة الحزبية المريبة الدافعة له، كما كانت خساراتهم باهظة وغير قابلة للرجوع الى الوراء كشراكتهم "التاريخية" و"الاستراتيجية" مع مواطنيهم الشيعة (شركاء الامس) فلم تعد لهذه الشراكة أية جدوى حتى ضمن مبدأ التوافق الذي تأسست بموجبه العملية السياسية، وباستمرار النهج السياسي الانفصالي للقادة الكرد والمبني على اسطوانة شوفينية "مشخوطة"، فقد يخسرون آفاق التعاون المستقبلي الاقليمي المشترك فقد أثار الاستفتاء امتعاض تلك الدول كونه تلاعبَ بالثوابت الجيو ستراتيجية التي اقرتها سايكس ـ بيكو منذ قرن مضى، فالاستفتاء ولد ميتا ولاقيمة قانونية او سياسية لنتائجه.
وحيال خروقات دعاة الانفصال لم يكن هنالك خيار أمام الحكومة المركزية سوى فرض هيمنة القانون وقوة الدستور الضامن لوحدة البلاد على جميع التراب الوطني [ المادة (1): جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.] فلا تأويل لهذه المادة سوى بسط يد الدولة على كل ترابها الوطني، والتصرّف عمليا بحنكة سياسية وعدم ترك الامور خاضعة للتقلبات المزاجية، فالدستور ليس مجرد مصفوفات قانونية بل هو منهاج عمل في الازمات الخطيرة كأزمة كركوك، ولهذا طالب القائد العام للقوات المسلحة قوات البيشمركَه بـأداء واجبها تحت القيادة الاتحادية باعتبارها جزءا من المنظومة الامنية العراقية.
فقد تناسى القادة الكرد الانعزاليون منهم انهم وطيلة الاعوام السابقة كانوا لايتصرّفون كإقليم فيدرالي ولا كوضع كونفدرالي، بل كدولة شبه مستقلة تتعامل مع المركز كندٍ متساوٍ، فقد راهن اصحاب الانفصال على حدوث اضطرابات قومية في المناطق المتنازع عليها بين المركز والاقليم وتؤدي الى احتكاك دام ٍ وبواسطة عناصر منفلتة تساهم في تأجيج الاوضاع لجلب انتباه الراي العام الدولي الذي لم يستطيعوا ان يكسبوه الى جانبهم خلال فوضى الاستفتاء ففي الوقت الذي كان العالم بأجمعه يصطفّ مع العراق ـ اضافة الى المرجعية الدينية العليا وتأييد واسع من كثير من القوى الكردية ذاتها ـ مؤيدا له في مسعاه الاخير في استرداد عافيته وحفاظه على وحدة اراضيه وأمن مواطنيه، كان دعاة الانفصال يعيشون في عزلة وطنية ومحلية واقليمية ودولية واممية قاتلة فلم يؤيدهم احد.
وكان يفترض تصحيح هذا الوضع الشاذ منذ 1992 والذي تأسس بموجب خط 32 ولكن قادة الاقليم لم يستغلوا الظروف الدولية التي منحتهم حق الحماية (التي لم تُمنح للجنوب والوسط اللذين بقيا تحت المطرقة الصدامية) استغلالا حسنا، وايضا منذ 2005 بعد اقرار الدستور الدائم الذي اعترف بكردستان اقليما فيدراليا ضمن الدولة الاتحادية العراقية إذ لم يستثمروا بنود الدستور الدائم الذي وضع خارطة طريق للعيش داخل اطار الدولة الأم.
ولايخفى على احد ان كركوك ومعها المناطق "المتنازع" عليها كانت هي المعنية من الاستفتاء وهي المقصودة من ترسيم الحدود "بالدم" وعليها كان تعويل السيد بارزاني وطاقمه الحكومي، ولكن عملية فرض القانون وتطبيق الدستور حالا دون تحويل شمال العراق الى فلسطين ثانية، وكركوك الى قدس اخرى تضيع في متاهات المنظمات الدولية ولكن "كركوكنا" بقيت قدسا عراقيا جامعا وملفا عراقيا ووطنيا خالصا عصيا على الاقلمة والتدويل والضياع.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً