حجم النص
فلاح المشعل تشتد الأواصر الوطنية ويتكافل الشعب مع بعضه عندما تضرب المحن والكوارث والأزمات الكبرى أي مجتمع بشري، تلك من شروط غريزة البقاء ومن ضرورات الدفاع الذاتي عن النوع، وفروض الحضارة والفكر والعادات والتقاليد التي ينتجها المجتمع عبر تاريخه. كلما تطور المجتمع تجلت تلك المظاهر على نحو اكثر اشراقا ً وتأثيرا ً، خصوصا في وقت النكبات والتهديدات الوجودية، ولعل مبتكرات الوعي الجمعي وقوة تماسك النسيج المجتمعي، قد تبدى بخصوبة إنسانية أعلى في سنوات الحرب العالمية الثانية، حين ظهرت الثقافة الإنسانية بمختلف تنويعاتها بدور المقاومة وتقويم انتصار جمال الإنسان والمجتمع،وحمايته من الإنحراف نحو الوحشية وتعاليم الفاشية. كانت الثقافة تعبرعن قوة التماسك والتكافل الإجتماعي من جهة، ورفض تشويه الفرد وتحويله الى أداة قتل وكراهية حسب أوامر النازية، وانتصرت القصيدة والرواية والمسرحية والقصة والرسم، ثقافات وفنون وفلسفات بشرية هائلة،تشاركت فيها نخب الأرض الثقافية والعلمية في ظل مشترك الحرية وقدسية الوجود الإنساني وحمايته من التلوث الفاشي والإنحطاط. التجربة العراقية بعد الإحتلال،تجيز لنا القول ان لاثقافة عراقية يمكن ان نحتكم لها وفق مقاسات وطنية وجمالية، يمكن ان تعطي سمات محددة للمجتمع العراقي،خصوصا ً بعد صدمة الإحتلال الأمريكي،وتدخل دول الجوار، وتشرذم المجتمع في سابقة خطيرة لم تحدث حتى عند أشد شعوب القبائل الأفريقية تخلفا ً حضاريا ً. واذا كانت القاعدة الوجودية تشير الى تماسك افراد المجتمع أزاء العدو الخارجي كما في الحرب، أو أية كارثة بيئية، تحت مظلة المواطنة، فأن ماحصل في العراق هو العكس تماما ً، فقد انكفأت الجماعات والمكونات على ذاتها الطائفية والعنصرية في تمظهر صارخ للإنتماءات الفرعية تحت مظلة إحتراب معلن صار يستدعي ويتخيل كل اسباب العداء والتحدي الوجودي الوهمي في إطار مسببات طائفية عمياء ومتخلفة ومتعطش للإنتقام والثأر الدموي. بلاشك ان عوامل السياسة وتدخل دول الجوار ومشروع الإحتلال وجرائمه اللاانسانية واللااخلاقية، كانت احد أهم الأسباب الدافعة لواقع الكراهية وثقافة الإنتقام والصراع، لكن السؤال؛ أين ثقافة المجتمع ومصداته الوقائية، ماهو دور المؤسسة الثقافية أزاء مايحدث..؟ وقبل ذلك هل لدينا مؤسسة ثقافية وطنية تسمح لنا ان نعطي لها خصائص عراقية وملامح فكرية وجمالية...؟ الواقع ينفي هذا، وما الوظائف الحكومية والأبنية التي تحمل تسميات ذات مداليل ثقافية، إلا دوائر وظيفية متخلفة حتى عن الإندراج بوعي الواقع ومايمور فيه،وسلوكها مندرج مع القطيع بتوجهاته الطائفية والعاطفية وحتى الإحتجاجية، تسليم "الثقافة " العراقية لواقع ماقبل الدولة، واقع تتحكم فيه قوى ظلامية واخرى عشائرية أو احزاب اسلاموية موجهة لقتل كل ماهو حي، يعني انها جزء من غطاء تجهيلي وجنائي كونه يشكل ستار للجريمة وليس وسيلة فضح...! أين نضع نتاجات ثقافية وفكرية عراقية مضادة و تشكل منهجا ً آخرا ً مغايرا ً لما اشرنا اليه، وهل يمكن نشكل منها ثقافة بديلة..؟ هذا ما نتصدى له في موضوعنا المقبل.