- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التكفيريون والحرب ضد التسامح، الشيخ البوطي أنموذجا
حجم النص
بقلم:صالح الطائي الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي عالم دين سوري انتهج مبدأ التسامح وثقافة القبول بالآخر، ونبذ المذهبية، ودعا أتباعه ومريديه إلى إتباع منهج الوسطية والاعتدال من خلال أكثر من ستين كتاباً في علوم الشريعة، والآداب، والتصوف، والفلسفة، والاجتماع، ومحاربة ثقافة التكفير والطائفية، ومتابعة مشكلات الحضارة، أصدرها مدافعا فيها عن المشروع الحضاري العربي الإسلامي الذي كان ولا زال يتعرض إلى غزو ثقافة التغريب وفكر المادية، ودعوات الإلحاد، منها مجموعة مؤلفات تناول فيها الصراع الفكري بين الشرق والغرب، مثل كتابي: أوروبا من التقنية إلى الروحانية، مشكلة الجسر المقطوع نقض أوهام المادية الجدلية ومجموعة أخرى تناول فيها توضيح حقيقة المذهب السلفي المتشدد، داعيا إلى وجوب وقوف الأمة بوجه هذا الفكر المبتدع الشرير، مثل كتابي السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية حظي الشيخ البوطي باحترام كبار علماء الدين، وعد من أهم المرجعيات الدينية في العالم الإسلامي، لأنه كان يمثل التوجه المحافظ في زمن التحزب والطائفية والمذهبية والتطرف، فاختاره المركز الإسلامي الملكي للدراسات الإستراتيجية في الأردن في المركز السابع والعشرين ضمن قائمة أكثر 500 شخصية إسلامية تأثيراً في العالم لعام 2012 ونظرا لكونه شخصيةً موسوعية معرفية جمعت تحقيق العلماء وشهرةَ الأعلام، كانت جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم قد اختارته عام 2004 ليكون "شخصية العالم الإسلامي". وبالرغم من تقدمه في العمر، نظرا لكونه من مواليد عام 1929، إلا انه كان ولغاية لحظة استشهاده مهتما بنشر المبادئ والقيم التي دافع عنها طوال عمره، واستشهد من أجلها. وكان حتى ساعات عمره الأخيرة يؤم المسلمين في احد جوامع دمشق، ويلقي المحاضرات على طلابه فيه. لكن مواقف الشيخ الشهيد البنائية أثارت غضب الكثير من الأطراف الداخلية والخارجية التي لا يتفق منهجه مع مناهجها التخريبية، فهو كان: • من أوائل المشيدين بدور الجيش العربي السوري في تصديه للتخريب، وهذا يتعارض مع دعوات تدمير هذا الجيش. • ومن أوائل الرافضين والمنتقدين للحراك الذي بدأته بعض الجهات في عام 2011 تحت مسمى "الربيع العربي" من خلال دعواته المتكررة بوجوب عدم الانقياد لدعوات مجهولة المصدر تحاول استغلال المساجد لإثارة الفتن والفوضى والخراب والدمار في سوريا، لأن ذلك من واجبات العالم العامل. • ومن أوائل من حذر من المظاهرات التي انطلقت في بعض المدن السورية، ووصفها بأنها "باتت تؤدي إلى أخطر أنواع المحرمات"، لأنه شخص أهداف هذه المظاهرات ودوافعها. • ومن أوائل من أدانوا الشيخ القرضاوي، ووصفه الشيخ الشهيد بأنه: "اختار الطريقة الغوغائية التي لا تصلح الفساد، وإنما تفتح أبواب الفتنة"، لأن الشيخ القرضاوي كان يدعو الناس في سوريا إلى التظاهر. • ومن أوائل من وقفوا بوجه سفك الدم العربي بيد العرب، فأصدر فتوى "حرمة قتل المتظاهرين حتى لو كان جبراً" غير آبه لغضب الحكام. وكان رد فعل التنظيمات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة على آراء الشيخ الشهيد التي اعترضت مشروعهم أنها دفعت المؤيدين لها من المتظاهرين لإحراق كتبه في إحدى جمع الحراك التخريبي التي أطلقوا عليها اسم "جمعة أحفاد خالد". ولكن ذلك لم يمنع الشيخ من الاستمرار بالدفاع عن الحق والحقيقة مما ملأ قلوب أعدائه بالحقد والضغينة فانطلقوا في مثل هذا الشهر، وتحديدا يوم 21/3/2013؛ محملون بكل حقد التاريخ، يلفون حول أجسادهم القذرة أدوات التفجير والموت، ودخلوا المسجد منتهكين حرمة بيوت الله حيث كان الشيخ الشهيد يلقي درسا في الأخلاق على طلابه، ففجروا أنفسهم وانتحروا ونحروا وقتلوا، فاختلطت أجساد ودماء الموجودين في المسجد من الطلاب والمصلين مع دم الشيخ... مع حروف أوراق نسخ القرآن التي تمزقت وتطايرت بفعل عصف الانتحار... مع غبار حيطان المسجد التي أرعبها صوت التفجير وهالها أن يدنس قدسيتها المجرمون، لترسم صورة بشعة لدرجة الانحطاط المخزي الذي وصله الفكر التكفيري المتطرف الذي لا يرقب في إنسان إلاً ولا ذمةً. إن استشهاد الشيخ البوطي (رحمه الله) كان إحدى العلامات الدالة على حقيقة ما يحاك من مؤامرات ضد الإسلام والعرب، وما يراد من تلك المواقف السوداء التي أطلقوا عليها اسم "الربيع العربي" وهي التي جاءت لتدمير آخر أيام العرب والمسلمين، والتي بانت بوادرها بعد أن خرج هذا الربيع من بعض البلدان التي مر بها مثل تونس وليبيا ومصر واليمن التي تعاني اليوم الأمريّن من أعمال التكفيريين والإرهابيين وتخريبهم وإفسادهم في الأرض.
أقرأ ايضاً
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- الاضداد والمتشابهات في فقه العقوبات