حجم النص
بقلم:سالم مشكور
مرة أخرى، استعيدوا كرامة العراقي، قبل أي حديث عن اصلاح. العراق انسان قبل كل شيء. لا قيمة لأرضه ولا لموقعه ولا لموارده إذا لم يكن إنسانه محفوظ الكرامة والحقوق. كل الدول التي تريد النهوض بعد انهيار كبير تبدأ بالإنسان أولاً لأنه الركيزة الأساسية. بإنسان مسلوب الكرامة لا تأمل بأي اصلاح أو بناء.
عقود من القهر والاذلال واستباحة الحياة والحقوق، تركت انساناً مهزوزاً مسلوب الكرامة ناقماً على كل شعارات الوطن والوطنية الرنّانة التي لم يرَ الّا عكسها.
العراقي يتعرض للإذلال وهدر الكرامة أينما ذهب. حتى المقيم في الخارج يعاني سوء المعاملة والاذلال في أغلب القنصليات العراقية. في الداخل يعاني من يراجع دائرة رسمية من إذلال الموظف الذي يعتقد انه صاحب فضل على المواطن، يتلذذ بعرقلة معاملته ناسيا أنه موظف عند الشعب وأن المواطن هو صاحب الفضل على الموظف.
بعد عمر من الاذلال والقهر ونقص الحقوق، يتقاعد العراقي فيبدأ مسيرة إذلال جديدة كل شهر. يقف في طابور طويل لساعات أمام المصرف الحكومي كي يستلم تقاعده البسيط. بيدين مرتعشتين وساقين لا يقويان على حمله، يقف لساعات في البرد او تحت الشمس الحارقة، فيما موظفة البنك تنظر الى عذابه بسادية كبيرة. تنفق أكثر الوقت مع أصحاب "المنافذ" لتسلّمهم مئات الملايين وتستلم منهم الاكرامية الدسمة، لتعود بين الحين والاخر لتمرير بعض المتقاعدين المنتظرين في الطابور. تتحدث معهم بأسلوب خشن، وتسلمهم راتبهم فئات نقدية صغيرة يحملونها في كيس، فيما الفئات الكبيرة تبقى من حصة أصحاب المنافذ.
في كل دول العالم المتحضر يحظى الانسان بالكرامة، والمتقاعد بتسهيلات كبيرة، واعفاءات أكثر. يأتيه راتبه الى حسابه في المصرف، وينفق منه بالبطاقة التي يحملها. لا يراجع مصرفاً ولا يرى موظفاً. هذه دول تحترم الانسان وتقدر دوره وعطاءه في الحياة، فتكرّمه طفلاً وشاباً ثم يصل التكريم ذروته عند الشيخوخة.
الدول تنهض بالإنسان وتنهار به. الأديان السماوية والمدارس الأخلاقية الوضعية جعلت الانسان محور الوجود، لكرامته وحقوقه تسخّر كل العناوين الكبيرة كالدين والوطن وليس العكس. عراقنا تعرّض لعملية تدمير للإنسان منذ عقود بعيدة، ومن يريد بناء البلاد من جديد لابد وأن يبدأ بالإنسان أولاً.
مؤسف أن نفخر بأن عراقنا هو مهبط الأديان، لكننا نفتقد الى أول قيمة اهتمت بها الأديان.. الإنسان.