حجم النص
بقلم:المحامية / دعاء حسين العبودي
في المجتمعات المتحضرة يتحقق التوازن الاجتماعي من سير كفتي المجتمع المتمثلة (بالرجل والمرأة) لتحقيق العدالة في فرص العمل ؛ إلا أن المرأة في مجتمعاتنا النامية مازالت تعاني الكثير في عملها. فعملها في مجال المحاماة مثلا ، ما زال تعترضه الكثير من المعوقات والمنغصات بسبب قواعد واعراف قاتلة لطموحاتها في هذا المجال؛ اوجدتها فئات مجتمعية رافضة أساسا لعمل المرأة ؛ ولأن القصص بطريقة او بأخرى هي محاكاة للواقع لذا سأسرد عليكم قصة تحصل في معظم الأوقات مع المحاميات. يوم المرافعة تقف (سعاد) ،بكامل قيافتها امام مرآتها التي تخبئ كل اسرارها؛ شابة ثلاثينية ذات قوام طويل؛ تبدو في شخصيتها علامات القوة وهي تنظر لانعكاسها بالمرآة؛ نظرة عميقة تبدو منتصرة للوهلة الأولى حتى تسرح بها الذاكرة وتعود بها الى ما قبل اربعة اشهر عندما كانت راجعة من عملها وقت الظهيرة، وهي تحمل بإحدى يديها زي المحاماة والأخرى مثقلة بحقيبة يد سوداء تخفي فيها اسرار موكليها بعيدا عن المتلصصين؛ واثناء مرورها من امام مقهى يبعد مسافة قصيرة عن منزلها وبعد ان وصلت إلى منتصف الطريق سمعت احدهم يستفزها بصوت أجش بالقول:( البنت مالها غير كعدت البيت). نزل هذا الكلام على مسمعها كالصاعقة وهي تميّز صوت هذا الرجل دون ان تلتفت اليه. انه في منتصف الستينات من عمره؛ أشيب الشعر، جاف الملامح؛ لا ينحاز للمرأة و يقف بالضد من عملها؛ هو مالك لتلك المقهى ويعمل أيضا مختارا للمنطقة وقد عرف بالانتقاد لهذه المرأة والطعن بشرفها بحكم عملها.ولأنها صاحبة مبدأ فإنها ترى ان العراك مع الجاهل اشبه بمصارعة خنزير في حضيرة لأنها بالنهاية ستتسخ؛ ولهذا تحاول أن لا تدخل في جدال معه. حاولت ان تبلع ريقها غضبا وهي تسمع قهقهات انتقادها من الجالسين حوله في باب المقهى؛ وقبل ان تواصل سيرها اقتحمت سيارة الشرطة المكان؛ وتقوم بتفتيشه؛ وبعد لحظات تم اقتياد صاحب المقهى واثنين اخرين معه؛ بالقوة من قبل رجال الشرطة. وقفت لتنظر اليه بطرف عينها نظرة انتصار ؛ ثم واصلت سيرها دون اكتراث.مرت الايام وتوالت الاحداث في حياتها على الرغم من كل ما يعرقل طريق عملها في المحاكم ودوائر الدولة من انتقادات واستفزازات من بعض فئات المجتمع الا انها صامدة ومستمرة في عملها . ذات يوم فوجئت بامرأة تقتحم مكتبها وهي تصيح ( آني داخلة على الله وعليج) وبعد أن رحبتُ بها وهدأتُ من روعها لأفهم الأمر؛ اتضح انها زوجة صاحب المقهى الذي أسمه ( ضاحي) ، وان الشرطة قد ألقت القبض عليه بتهمة تجارة المخدرات. حيث تم العثور في مقهاه على حبوب مخدرة. أمطرتها المرأة بكلمات الرجاء والتوسل وهناك من أخبرها ان ما حصل هو جناية سيسجن عليها زوجها ، وقد نصحوها بمراجعة المحامية (سعاد) للدفاع عن زوجها. اخذت (سعاد) بضعة من الوقت وهي تفكر في الأمر قبل أن تخبر المرأة العجوز بموافقتها على الترافع عن زوجها. في صباح اليوم التالي نادى الشرطي على ( ضاحي) الذي تم ايداعه في في غرفة التوقيف . وعندما رآها الرجل وهي تقف أمامه تسمّر بمكانه كتمثال لدقيقة ثم باغتته بالقول : انا محاميتك الان الحقني لمكتب العقيد. وبعد حديث بارد دار بينهم ، وقيامه بالتوقيع على توكيلها سألته سؤال واحد؟ أنت بمن تشك؟ أجابها: انه لا يشك بأي احد فليس هناك من يملك مفاتيح المقهى غيري، حتى أبني أو زوج ابنتي ليس لديهم نسخ من المفاتيح. ثم تابعت موجهة كلامها له : سيد ضاحي بما انه لا يوجد شهود وانت وعائلتك ، ليس لديكم سوابق في هكذا أمور ؛ إذن هناك من هو مشتبه به ، وسأجده باذن الله ، ثم أخبرته بانها ستعود اليه في وقت لاحق . وبعد دراسة مستفيضة للدعوى عادت له بعد عدة ايام لتعرض عليه فكرة سوف تنقذه من هذه التهمة؛ وهي انها سوف تقوم بعمل كمين لتوقع المجرم ، وذلك بزرع كامرات مراقبة ومايكروفونات يتم ربطها بجهاز موبايل ، لكنها تحتاج من يساعدها بذلك لكون المجرم مطمئنا الان . فكلف ولده بمساعدتها. وبدأت بنتفيذ الخطة بالمراقبة ومرّ يوم واثنان وثلاث ، ومرّ اسبوع واخر لكن دون جدوى الى أن جاء اليوم الذي يسبق المرافعة حيث في تمام الساعة الخامسة صباحا ؛ ظهر رجل ملثم وهو يفتح باب المقهى؛ وبعد ان دخل ازال اللثام واذا به رجل طويل القامة شديد البنية وقور الملامح ، وبعد عدة دقائق دخل أيضا ثلاثة رجال يشاركونه الجلسة ويدور الحديث بينهما عن صفقة مخدرات جديدة ، ومن ثم يتحدثون عن خسارتهم اثناء تبدل محفظته بمحفظة صاحب المقهى ، والتي كانت تحوي المخدرات. وأثناء تسليم المخدرات لتوزيعها دخلت الشرطة ومسكتهم متلبسين. العودة الى يوم المرافعة: هيأت نفسها لتقف امام القضاة وهيئة الادعاء العام لتبادر بتقديم ادلتها المتمثلة بتصوير الفيديو واعتراف زوج ابنته ، والاصوات التي تم تسجيلها وبعد المداولة تم الحكم ببراءة المتهم ضاحي عيدان والافراج عنه.خرج المتهم من قفص المجرمين ليقف أمام محاميته وهو منكس الرأس؛ طالبا منها ان توصل تحياته واحترامه من رجل طاعن في العمر الى والديها على حسن التربية وعلى هذا الشموخ الذي علماها اياه.ابتسمت وطرحت عليه سؤال : ياعم من قال لك ان عمل المحامية عيب ؟ اجابها بخجل: هذا هو المتعارف عليه يا ابنتي انه من المعيب على البنت أن تعمل مع الرجال ردت قائلة: انا عندما جاءتني زوجتك وطلبت مني الدفاع عنك فكرت لبرهة اني لو تعاملت معك مثل ماعاملتني لتوقفت الان عن الدفاع عن اغلب الناس لذا ياعم تحياتك مقبولة . وانتهت القصة .... لكن هناك حقيقة لم تنته الى الان وهي أن هناك محاميات مجتهدات عظيمات يعملن في ظروف صعبة؛ فيها تعقيدات ومغالطات وعدم فهم لدور المرأة في العمل خاصة بمجال القانون . والى الان مازالت المرأة الكربلائية تعاني من قلة فرصها في المحاكم ، وعدم التعاون معها في اداء مهمتها بسبب جهل البعض بطبيعة عملها أو بحجة العيب والحرام ، باعتبار ان هذه الأماكن لا تدخلها السيدات ، وتلك القضية لا تناسب المرأة؛ لكن حقيقة الامر ان الدعوى لا تميّز بين رجل وامرأة ، بل تحتاج الى محامي او محامية متمكنين من ادواتهم ويحتكمون للضمير والانسانية بالعمل ويبقى قرار القاضي هو الفيصل.
أقرأ ايضاً
- كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط بعد الانتخابات الرئاسية في ايران؟
- الشرق الأوسط الجديد
- الشرق الاوسط واحتمالية المواجهة المقبلة !!