- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العشيرة والتوظيف البريطاني لشيوخها وأعرافها
بقلم: هادي عزيز علي
يتساءل حنا بطاطو في إطروحته للدكتوراه المقدمة الى جامعة هارفارد الموسومة (الشيخ والفلاح في العراق 1917 - 1958) قائلا: لماذا وكيف انتعشت سلطة الشيخ واستعاد النظام القبلي قوته على يد البريطانيين؟
المحتل البريطاني لم يظهر أية رغبة لتأسيس دولة عراقية وفق المعايير العصرية حينئذ رغم قدومه من دولة عريقة بمؤسساتها ويتمتع بأرث (جون لوك) وحكومته المدنية. اذ كان يطمح الى تأسيس سلطة تحقق اهدافه المرسومة لاحتلال العراق من خلال الاتكاء على معين من الدراسات والبحوث والاستشارات بما في ذلك منجز الاستشراق الا انه وبعد غربلة هذا المعين اتجه مباشرة الى نصيحة الاداري البريطاني (هنري دوبز) المتضمنة لزوم التعامل مع شيوخ العشائر مباشرة لسببين الاول هو خلق تشكيل اجتماعي داعم لنظام الاحتلال والحكومة التي سيكلفها بادرة البلاد والثاني تفويض شيوخ العشائر صلاحية حماية الامن في الرقعة الجفرافية حيث يتواجدون بدلا من تكليف جيش الاحتلال البريطاني بمهام حفظ الامن الذي قد يعرض افراده للمخاطر. فضلا عن ان الشيخ كان بحوزته السلطات الادارية والقضائية والتنفيذية لممارستها على رجال عشيرته ومنطقته الجغرافية حيث يعيش.
وجدت بريطانيا ان السبيل الامثل لحكم العراق يستلزم اخضاع شيوخ العشائر لسلطتهم لما يتمتعون به من صفات تخدم مشروعهم الاستعماري، اذ اتجهت الارادة البريطانية الى ضمهم لمشروعها الا انها ارادت معرفة المزيد من المعلومات عن شيخ العشيرة الذي سيكون محلا لتعاملاتم مستقبلا وكلفوا احد ضباطهم لهذه المهمة اذ كتب تقريره بعدئذ جاء فيه: (ان شيخ العشيرة يعد شخصا مناسبا لحكم المناطق الريفية، فهو عادة شخصية جاهلة وضيق التفكير ويتسم بالسلوك الرجعي المفرط بانانيته فضلا عن الشره غير العادي للمال).
وفي ضوء ذلك كان للناشطة البريطانية السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني في العراق (مس بيل) الدور الفاعل في التعامل مع شيوخ العشائر فقد كتبت رسالة الى والدها في عام 1922 عن علاقتها بشيوخ العشائر في العراق تقول فيها: (انهم الناس الذين احبهم فانا اعرف كل شيخ قبلي مهما كانت درجة اهميته في طول وعرض العراق واعتقد انهم العمود الفقري للبلاد).
وفي رسالة كتبها احد المسؤولين البريطانيين عام 1918 ذكر فيها: (كلما امكننا الحفاظ على النظام القبلي مدة اطول كلما كان ذلك افضل).
ترسخت القناعة لدى السلطات البريطانية ان فائدة الشيخ لهم فائدة نفعية ومصلحية فهو الشخص الممكن وفي متناول اليد الذي يمكن من خلاله ادارة المناطق الريفية وسعت الى استمالته بوسائل شتى وتمكنت من ذلك بحرفية السياسي وحنكته لدرجة انىتلك الاستمالة دفعت شيخ عموم احد العشائر مع اربعين شيخا اخر لمقابلة الملك فيصل الاول في 23 / نيسان / 1922 وقالوا له بشكل حازم: (نحن اقسمنا الولاء لك بشرط قبولك القيادة البريطانية).
واستمر الدعم البريطاني للشيخ وكانوا على وعي تام بان الارض مفتاح سلوك الشيخ السياسي ولتعزيز مكانتهم صدر قانون تسوية حقوق الاراضي رقم 50 لسنة 1932 وقانون الاراضي الممنوحة باللزمة رقم 51 لسنة 1932 ومن خلالهما تم تسجيل المزيد من الاراضي الزراعية باسماء الشيوخ. فضلا عما تقدم فان البريطانيين سهلوا للشيوخ الوصول الى البرلمان ومجلس الاعيان الامر الذي افضى الى تقديم فروض الطاعة للمحتل. هذا الوضع الغالب الذي رسمه المحتل لشيوخ العشائر لا ينسينا ان البعض من شيوخ العشائر تمسك برفضه المحتل وتحمل ما تحمل جراء ذلك.
اما الموضوع الثاني الذي تمسك به البريطانيون بأحكام فهو ترسيخ الاعراف والعادات العشائرية لانها السبيل الممكن لترسيخ حالة التخلف مع استمرار العراق في مرحلة ما قبل الدولة اضافة الى كونها تسهل اطالة امد الاحتلال.
وقد بذل المحتل جهدا مثابرا من خلال ادخال تلك الاعراف والعادات العشائرية في قواعد قانونية اي انه ارتقى بالعادات الى مصاف القواعد القانونية وجعلها مجموعة قواعد قانونية عامة مجردة ملزمة ينطبق عليها تعريف القانون الذي يعرفه الفقه القانوني وقد تجسد ذلك الجهد بصدور (نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية الصادر في 28 / 7 / 1918) بقوته القانونية. لم يبخل القانون الاساسي (دستور 1925) على اقرار هذاا لتشريع في المادة 114 منه ليضفي عليه مسحة دستورية.
موضوعا واحدا نورده هنا على سبيل المثال جاء به نظام دعاوى العشائرهو دية القتل (الفصلية) اذ بموجبه تعطى البنت من ذوي القاتل زوجة من دون مهر الى من ينسبه العرف من ذوي المقتول اعتقادا من المشرع ان المصاهرة تؤمن التقارب بين العائلتين وترفع الضغائن ولم يؤخذ بالاعتبار البنت الضحية والمعاملة المذلة المعروفة عشائريا للفصلية هذا الوضع المذل دفع وزارة الداخلية في سنة 1929 استبدال الفصلية بمبلغ من المال.
يلاحظ التوئمة بين الاحتلال البريطاني في بواكير القرن العشرين والاحتلال الامريكي 2003، فالاول دعم العشيرة واعطى لها اليد الطولى في مواجهة تشكيل السلطة المدنية وجعل الامر مثار شكوى للملك فيصل الاول عندما قال بمرارة ان لدى العشائر 100 ألف بندقية بينما لا تملك الحكومة سوى 15 ألف فقط.
والامر ذاته بالنسبة للاحتلال الامريكي 2003 وكما يقول (موريس غودييه): (ان التفكير الاستراتيجي والسسيولوجي للامريكان ادى الى الغاء الدولة ومؤسساتها في العراق وترك القبائل في مواجهة الوضع الجديد) وهذا يعني انه ترك العشائر بثقلها التسليحي في مواجهة الاحزاب ذات الخطاب السياسي الديني الماسكة للسلطة التي تتبنى الهوية الجزئية بمعزل عن المواطنة والدولة. الاحتلالين اذن ساهما في ترسيخ الوضع الحالي للعشيرة.
أقرأ ايضاً
- بماذا للعراق ان يستفيد من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ التجربة البريطانية
- الوثائق البريطانية السرية وخبث عرضها
- مكانة المرأة مابين سلطة العشيرة، وتأويل المفهوم الديني