- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التهديد المالي والنفطي للعراق .. هواجس واحاسيس
بقلم: د. مظهر محمد صالح
ثمة سؤالين مباشرين وجها لي بكوني من العاملين (المخضرمين) في الادارة الاقتصادية العراقية، شهدت فيها البلاد شتى الحروب والحصار والأزمات في سلسلة افقدت العراق أربعة عقود من التنمية والازدهار الاقتصادي، فالسؤالين هما:
1. هل تستطيع امريكا مصادرة اموال العراق.. وتفقدها الحماية ؟
2. هل يبدأ العراق منذ الان كحكومة وبرلمان الذي طلب ان تنسحب الولايات المتحدة قواتها هي وغيرها من قوات التحالف.. ان يتخذ اجراءات ويضع امواله وهي من عائدات النفط اغلبها.. الى دولة اخرى محايدة ؟وكيف يتم ذلك ؟
١- عدت سوق النفط منذ نشأتها في الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الاولى ودخول النفط والوقود الناجم عن تعاملاتها كسلعة إستراتيجية في صناعة الحرب والمصالح، عدت وحتى الوقت الحاضر سوقاً دولارية في التسعير والتداول والمدفوعات والسلوك.
وقد دخل العراق سوق النفط مجدداً في العام ٢٠٠٣ ولكن من أبواب قرار مجلس الامن رقم ١٤٨٣ في مايس٢٠٠٣ الذي حجب حرية العراق في التصرف بعائدات نفوطه وقيدها بممر رقابي وعملياتي مصرفي أمريكي يسمى: حساب المقبوضان النفطية OPRA وهو الحساب المفتوح لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيوريوك بعملة الدولار.
اذ يتيح ذلك الحساب استقطاع حصة الكويت من عائدات نفط العراق عن كل برميل نفط جرى تصديره تبلغ نسبتها حالياً ٣٪.وان إزالة هذه الالية وتحويلها بمرونة الى منطقة مالية أخرى خارج الولايات المتحدة، يقتضي في الاحوال كافة توفير قرار اممي بديل يحل محل قرار مجلس الامن آنفاً ويقضي بقبول تغيير آلية الاستقطاع والتسديد المذكورة لدى مؤسسة مالية في دولة آخرى سويسرا أو بريطانيا او اي دولة اخرى من دول الاتحاد النقدي الاوروبي مثلاً.
وحتى بافتراض ان العراق على استعداد كامل لدفع المتبقي من مبلغ تعويضات حرب الكويت مرة واحدة (التي هي ربما بنحو ٢،٨ مليار دولار) فان ذلك يتطلب أيضاً قراراً من مجلس الأمن يكون بمثابة (براءة ذمة) لاخراج العراق من اخر ذيل من ذيول الفصل السابع ويمنح العراق حرية التصرف بموارده النفطية كيفما يشاء.
في ضوء ما تقدم، ومن خبرتي المتواضعة في ادارة شؤون العقوبات والحصار والأزمات الاقتصادية منذ امد بعيد فان مثل هذا التوجه سيستغرق بعض الوقت.
وبخلافه، اذا ما اقدمت حكومة الولايات المتحدة على تصرفات مؤذية للعراق بشأن أمواله بقرار طائش او عطلت آليات النظام المالي لإدارة عوائد النفط OPRA التي اشرت اليها أعلاه بأفعال غي محسوبة وذرائع تتذرع بها الدولة الكبرى المهيمنة، معنى ذلك ادخال العراق في فوضى وباتجاهين الأولى بعثرة عوائد صادرات البلاد النفطية وإدخال الصادرات النفطية في ممرات ومسالك تصدير يهيمن عليها بالغالب المضاربين وغيرهم من قراصنة النفط ازاء العمل خارج المنظومات والسياقات والضمانات المألوفة حالياً في تسويق النفط والتصرف بعائداته المالية وبأقل قدر من المخاطر.
والأخر، هو العمل خارج إسناد اطراف المنظمة الدولية وقرارها الاممي رقم ١٤٨٣ سيؤول بالوضع الاقتصادي الانحدار نحو الاضطراب والهوان داخل مفاصل الاقتصاد و تعثر دينامياته جراء اخفاق مصادر التمويل النفطي وهو التمويل الأساس في تغذية الاقتصاد الحكومي الذي تمتد اثاره الى ٨٠٪ من النشاط الاجمالي للاقتصاد الكلي.
وهنا ستكون الحالة الاقتصادية العراقية اقرب الى حالة البلاد في اوضاع المقاطعة والحصار الاقتصادي السابقة.
ختاماً..
لا ادري كم يستطيع النظام الديمقراطي الراهن ان يوفر بالضرورة الانسجام الكافي داخل المؤسسة السياسية لاتخاذ قرارات اقتصادية مصيرية منقذة للبلاد.
وان اي اشارة خاطئة او طائشة تتصرف بها بعض الادارات العراقية (بغليان أعصابها في الفترة القصيرة الحالية) سيفقدنا الكثير ولاسيما في ظل حياة نيابية غير متماسكة وحكومة تصريف اعمال محدودة الصلاحيات ترافقها ادارة حكومية رخوة في بعض مفاصلها المهمة.
فالعراق بحاجة الى مركز قرار استراتيجي موحد يفكر بعقلانية عالية ويبعد الخطر عن البلاد ويجنبها الاصطدام بمحاور إمبريالية عديمة الشفقة.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً