عباس الصباغ
لاجدال في ان زيارة الرئيس الايراني روحاني الى العراق والتي وصفت بالتاريخية قد جاءت في توقيت مناسب وحرج لكلا البلدين اذ احتلت الملفات الاقتصادية الصدارة فيها وهي الهدف الرئيس منها، ويمكن ان توصف بزيارة المصالح المشتركة بينهما بل والحاجة الماسة لكل منهما الى الطرف الاخر بها وسعيهما المشترك لإغلاق جميع الملفات التي مازالت مفتوحة كالملاحة في شط العرب وترسيم الحدود والسياحة الدينية، وجاءت زيارة روحاني وسط مناخ يسوده جو انفتاح السياسة الخارجية العراقية على جميع دول الجوار وتصفير الازمات والمشاكل العالقة معها ومنها الجارة ايران التي ترتبط مع العراق بشريط حدودي طويل ولتعزيز اواصر العلاقات الثنائية بينهما في جميع المجالات، فليس من مصلحة العراق بحكم ظروفه الاستثنائية التورط بمشاكل مع اي طرف ، ومن مصلحته أن يكون طرفاً للتوازن والاعتدال فسياسة اللاتوازن والانحياز التي انتهجها النظام الديكتاتوري السابق كلفت العراق الكثير من الخسائر البشرية والمادية واضاعت الكثير من فرص التقدم ، ومن مصلحته ايضا ألاّ يخضع للتجاذبات بين المحاور المتنافسة سواء الاقليمية ام الدولية وان يبقى على مسافة واحدة من جميع الاطراف المتنازعة وخاصة في منطقة الشرق الاوسط المتأزم لان أي مشكلة فيه ستمس العراق بالصميم .
ومن جانبها يعاني الاقتصاد الإيراني صعوبات جمّة منذ أن قرر الرئيس الأميركي ترامب ومن جانب واحد الانسحاب من اتفاقية (5+ 1) وأعاد فرض العقوبات على ايران مما دفع قادتها لمحاولة توسيع نطاق العلاقات التجارية مع دول الجوار ومنها العراق ومن هنا تتأتى اهمية المصلحة المشتركة مع العراق الذي اعلن مرارا بانه لن يكون جزءا من اية عقوبات تفرض على ايران فهو على الحياد في هذا النزاع، لذلك ترى ايران في توطيد منظومة علاقاتها مع العراق طوق نجاة ينتشلها من وطأة العقوبات الخانقة لاسيما وان ايران لم تزل تعيش علاقات متوترة مع جاراتها من دول الخليج خاصة العربية السعودية فهي اشبه بجزيرة محاصرة من جميع الجهات فيبقى العراق النافذة التي تطل منها طهران على العالم، وتخفف بها حدة تلك العقوبات ومضارها على الاقتصاد الايراني لذلك يرى بعض مسؤولي ايران أنّ العراق قناة أخرى لإيران لتفادي العقوبات الأميركية، وان زيارة الرئيس روحاني ستوفر فرصا ثمينة للاقتصاد الإيراني ، ومن هذا المنطلق تطمح ايران الى زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين الى اكثر من 20 مليار دولار بعد ان كان 12 مليارا، وبعد ان توصل الجانبان إلى عقد 22 اتفاقية في مجالات التجارة والصناعة والامن والبيئة والسياحة.
ومن واقع المصلحة الاستراتيجية المتبادلة تنبع مصلحة العراق مع الجارة ايران فمازالت الكثير من الملفات المشتركة عالقة بينهما كملف الكهرباء الذي يصل حجم صادراته نحو 3.5 مليار دولار للعراق سنوياً.
ويعتمد العراق في رفد اسواقه على التبادل التجاري للكثير من السلع الايرانية لرخص اثمانها وانسيابية ورودها الى الاراضي العراقية، فالعراق مايزال بحاجة الى الكثير من التعاون مع ايران وفي جميع الاتجاهات والمجالات كونه خرج توا من معركة ضروس ضد اعتى تنظيم متوحش (داعش) الذي احرق الحرث والنسل.
المصلحة الوطنية العليا والامن القومي العراق يقتضيان حسم الملفات العالقة مع إيران، ومنها اتفاقية الجزائر عام 1975 لترسيم الحدود البرية والمائية والحقول النفطية المشتركة بين البلدين والتي يصل عددها الى حوالي 23 حقلًا، وتحتاج الى حسم في ملفاتها الشائكة ، وهناك مجالات واسعة للتعاون بينهما في المجالات الاقتصادية والتجارية والطاقة وحركة الزوار والمصارف وخدمات الطرق وبحث التعاون في العديد من الملفات المشتركة ومنها النفط والزراعة والاعمار والاستثمار والصحة والنقل والمناطق الصناعية والمنافذ الحدودية ، وكذلك الموارد المائية المشتركة اذ ستظهر في الافق القريب مسالة شحة الموارد المائية لاسيما بعد اعلان تركيا تشغيل سد (اليسو) العملاق الذي سيؤثر مباشرة على حجم مناسيب مياه دجلة الداخلة الى العراق ولكون ايران من الدول المتشاطئة مع العراق فهي معنية ايضا بوضع حلول لهذه الازمة اضافة الى تركيا وهو ما سيكشف عنه نتائج زيارة الرئيس روحاني فيما بعد.
وبالاجمال فان زيارة روحاني لها اكثر من اهمية استراتيجية وعلى جميع الصعد لعموم منطقة الشرق الاوسط انطلاقا من اهم مركزين فيه بغداد وطهران.
أقرأ ايضاً
- عالمية زيارة الاربعين
- المصالحة بين حظر النازية وحظر حزب البعث في العراق
- زيارة المصالح الاستراتيجية المشتركة