- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجعية الدينية العليا.. دعوة لنظم الأمر
بقلم: حسين فرحان
الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (7 رجب 1440هـ) الموافق لـ(15 آذار 2019م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر، وكانت بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي أكدت بعد طرح قضية الاختلافات والنزاعات المؤدية الى الفشل، وتصنيفها وطرح الآثار المترتبة عليها وتحديد الجهات التي تدور هذه النزاعات في أفلاكها ابتداء من النزاعات الشخصية الى تلك النزاعات التي تحدث على مستوى كيانات مجتمعية مهمة، كالكيانات العشائرية والكيانات السياسية، أكدت على قضية مهمة للغاية وعبرت عنها بـ(دعوة لنظم امورنا) وحددت طرقا عقلائية في جميع المجالات لحل هذه الخلافات والنزاعات وذلك:
- بالرجوع الى سلطة الشرع..
- أو الرجوع إلى سلطة القانون..
- أو الحوار والتضحية والإيثار..
وقد كان واضحا في الخطبة أن المأمول من عشائرنا الكريمة ومواطنينا الأحبة أن يعملوا على (نظم أمورهم) واللجوء الى التحاكم الصحيح والابتعاد عن حل النزاعات بالقوة والسلاح والعنف، وعدم تسليط الأهواء الشخصية والأمزجة النفسية في الأحكام كيفما اتفق على الآخرين فأن في ذلك شيوعا للفوضى بين أفراد المجتمع ودخولا في حلقة لاتنتهي من العنف والصراع.
نلاحظ تأكيد الخطبة - في موضعين منها - على قضية (نظم الأمر)، ورغم أن الموضوع الأساس هو الاختلاف والنزاع وأن نظم الأمر يفهم منه هنا اتباع طرق عقلائية تستند الى نظم الامر في تجاوزها، لكننا لاحظنا أن خاتمة الخطبة كانت موجهة على شكل توصية تستهدف الطبقة السياسية ونزاعاتها وتجاذباتها واختلافاتها على المواقع والمناصب، الذي أدخل البلد في دوامة من عدم الاستقرار والتخلف عن بقية شعوب الأرض وإهدار الطاقات والتأزم النفسي للمواطن وضياع فرص تقديم الخدمات له وتوفير فرص العمل والتطور.
هنا كان التوجيه لهذه الطبقة السياسية المنشغلة بالنزاع والتجاذب والاختلاف على المناصب بضرورة أن تفيق من غفلتها وان تفك قيد أسرها للأهواء والمطامع وأن تأخذ من تجارب الماضي ومعاناة الحاضر وآمال المستقبل دروسا وموعظة لما ينبغي عليها القيام به تجاه الشعب والوطن.
وهذه التوجيهات التي وردت في الخطبة يمكن تلخيصها بأنها استهدفت:
* منظومة اجتماعية (عشائرنا الكريمة ومواطنينا الأحبة) تحدث فيها نزاعات واختلافات وصراعات تستدعي (نظم الأمر).
* طبقة سياسية (منشغلة) بالنزاعات والتجاذبات والاختلافات على المناصب وهذه تستدعي الإفاقة من الغفلة وفك قيد أسر الأهواء والمطامع.
إن ما أكدت عليه الخطبة هو (الرجوع الى الطرق العقلائية في جميع المجالات) وأن مفتاح ذلك هو (نظم الأمر).
فالمرجعية العليا حين تدعو للنظام في جميع المجالات بما فيها الحلول لهذه النزاعات والصراعات، إنما تنشد تخليص هذا المجتمع من حالة الفوضى التي حلت به وأصبحت تهدد منظومته الدينية والأخلاقية وبنيته الاجتماعية وأصالته وحضارته.
ولم تكن الدعوة الى نظم الأمور سوى مطلب عقلائي يستلزم التأمل فيه والوقوف عنده لما فيه من خير وتيسير لحياة المجتمعات.
قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصية له: " "أُوصِيكُمَا وَ جَمِيعَ وَلَدِي وَ أَهْلِي وَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَ نَظْمِ أَمْرِكُمْ وَ صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُم".
وقد كان عليه السلام يرى في اتباع الأهواء ما ينسف هذا النظام فكان يقول عن معاوية (قد دعاه الهوى فأجابه) وقد لاحظنا في خطبة المرجعية ما يشبه هذا المعنى حين خاطبت الطبقة السياسية (وقد آن الأوان أن نفيق من غفلتنا ونفكّ قيد أَسْرنا لأهوائنا ومطامعنا).
وقال عليه السلام أيضا: (من تلك الحقوق حقُّ الوالي على الرعية، وحقُّ الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله ـ سبحانه ـ لِكُلٍّ على كُلٍّ، فجعلها نظاماً لأُلفتهم).
ويقول صلوات الله وسلامه عليه: (العدل نظام الإمرة ثم يقول:حسن العدل نظام البرية).
ومن وصاياه أيضا: (ومكان القيِّم بالأمرِ مكانُ النظامِ مِن الخَرَزِ ـ يجمعُهُ ويضمُهُ فإن انقطعَ النِّظام وتفرَّقَ الخَرَزُ وذَهَبَ، ثم لم يجتمِعْ بحذافيرهِ أبداً).
فاهتمام المرجعية العليا بنظم الأمر للمجتمع عموما في حل نزاعاته وصراعاته التي تحدث سيدرأ عنه اخطارا محدقة به، واهتمامها بحث الطبقة السياسية على ترك الخصومة والنزاع لاجل منافع ومكاسب شخصية وفئوية ضيقة ستنعكس نتائجه على المجتمع بشكل إيجابي فكل نزاع بلا وجه حق سيؤدي الى الفشل وذهاب الريح.
(قَالَ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ أَخَذَ بِيَدِي أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع فَأَخْرَجَنِي إِلَى اَلْجَبَّانِ فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ اَلصُّعَدَاءَ ثُمَّ قَالَ يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ إِنَّ هَذِهِ اَلْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ..) وهذه مرجعيتنا العليا تأخذ بأيدينا جميعا إلى نظم الأمر وبر الأمان وفق منهج مبارك أصله ثابت وفرعه في السماء، فهل سنحفظ عنها ماتقوله لنا أم سنسمعها مرة أخرى تنادي: (لقد بحت أصواتنا) ؟
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات