بقلم: علي علي
من المؤكد أن لكل حدث سببا ومسببا، ومؤكد أيضا أن المسببات تتنوع بين عفوي وعرضي، وبين مدروس ومخطط له، وبإيجاز أكثر مصداقية، بإمكاننا القول أن المسببات تنحصر بين قوسين لاثالث لهما، فهي إما بريئة وإما “خبيثة” والأخيرة هذه هي عين ما أقصده في التالي من سطور.
إن لنا في السنوات الست عشرة الماضيات، أدلة كثيرة على دور الأحزاب وتسببها في إشاعة الخراب، فما من ركن من أركان البلاد إلا والفساد فيه يحمل بصمة واضحة لحزب من الأحزاب، وما أكثر المؤسسات التي نخر الفساد هيكلها بسبب الأحزاب، ولو أردنا إحصاءها لما توقف العد لدينا على رقم او عدد بعينه، بل على العكس، سنبحث جاهدين على حزب أحسن صنعا في البلاد، لكن خفي حنين سيكونان حصيلة بحثنا لامحال.
يقال أن (المجرب لايجرب)، ولا أظننا نحتاج تأكيدا على مافعلته الأحزاب بثروات البلاد، وكيف تبددت المليارات على أيدي هذا الوزير او ذاك المسؤول، من الذين أتى بهم الى سدة الحكم حزبهم، وارتقوا سلم المسؤولية تحت جنحه، وتسنموا مواقع حساسة بتزكية منه، وصاروا يعيثون فيها بتأييده ونصرته ومدده، حتى أوصلوا البلاد الى مفترق طرق، بل متاهة الطرقات، فالخزينة فارغة، والبطالة المقنعة تنهش بالميزانية العامة، والترهل الوظيفي تدلى كرشه حتى غدا عاهة مستديمة، لاينفع معها علاج او استطباب او رجيم، وتعددت الآفات بين فساد مالي وإداري وأخلاقي وسياسي ومهني، وضاعت قيم، واستجدت أخرى، فيما ترفع الأحزاب راية النصر معلنة فوزها وغلبتها على أم رأس المواطن، وكل حزب بما لديهم فرحون، يعمهون، يسرقون، يسرحون، يمرحون، ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون.
وبالرجوع إلى قرار المفوضية العليا -اللامستقلة طبعا- للانتخابات الذي أصدرته في آذار من عام 2017، والذي نص على منح إجازة تأسيس جديدة لعدد من الأحزاب السياسية، لتنضم الأخيرة بقضها وقضيضها، وقيطها وقرميطها، وشعيطها ومعيطها، الى هلمة الذباب -عفوا الأحزاب- التي تتسيد خزائن البلاد، وحقول نفطها لشفطها ولفطها أولا بأول. ويبدو أن قانون الاحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 قد شرعه مجلس النواب، لإسباغ ثوب الرسمية والقانونية على السراق، ومنحهم حصانة المنصب تحت غطاء الشرعية، بغية تنفيذ أهدافهم، وإكمال مشروعهم الذي جاءوا لأجله، وما هدفهم إلا السرقة، وما مشروعهم إلا إحلال الفساد بأشكاله وأصنافه كافة.
الأحزاب إذن، هي المعضلة العظمى والطامة الكبرى، وهي السبب والمسبب، فهي التي ساقت مصير العراق ومصائر العراقيين إلى ما لم يحمد ماضيه، ولا يحمد حاضره ولن تحمد عاقبته حتما. وإن كان لقرار المفوضية المشؤوم دور أساس في هذا، فإنها لم تنفرد به، فاللجان الرقابية القابعة تحت قبة برلماننا العتيد، هي الأخرى لها يد لاتقل طولا ولا عرضا ولا فعلا عن المفوضية بهذا الشأن، بل أنها -اللجان الرقابية- زادت الطين بلة، وعملت -بل عمدت- على إيلاء الأحزاب دور البطولة في تردي أوضاع البلد، وقطعا أجادت الأخيرة بأداء هذا الدور أيما إجادة! وحازت على قصب السبق في تسببها بدمار العراق، ونالت أوسمة الفوز وأنواط الإبداع بابتكار كل ما من شأنه تقويض عمليات البناء، وإحالتها إلى عمليات هدم طال شره المستطير مفاصل البلد برمتها، ومافتئت تطبق مخططها كما رسمت له قبل أكثر من عقد ونصف العقد بمثابرة ونشاط قل نظيره، وليس لرئيس وزراء ومجلسه، ولا مجلس نواب ورئيسه، ولا رئيس جمهورية ومجلسه يد في الحد من نشاطها، ولا ردعها، ولا منعها، شاء من شاء وأبى من أبى.