يعزو الكثير من السياسيين والمثقفين وغيرهم أسباب التداعيات الأمنية الكوارثية الى مجموعة من العوامل السياسية الداخلية المتمثلة بالتناحرات السياسية والتخندقات القومية / العرقية والاصطفافات الطائفية والحساسيات المذهبية والاحترابات الاثنية ... والسياسية الخارجية وذلك بجعل العراق ساحة للتنازعات الإقليمية وحلبة لتصفية الحسابات بين القوى المتضاربة وبؤرة لاستقطاب الإرهاب الدولي الناتج معظمه من مخلفات الحرب الباردة والمنازعات الدولية والى أسباب أخرى تتعلق بجهوزية المؤسسات الأمنية والعسكرية والاستخبارية ومدى قدرتها في إدارة ملف الأمن والسيطرة على الوضع العام للبلد ، فيما يربط البعض الآخر الإخفاقات الأمنية المأساوية ببعض الفعاليات السياسية التي يشهدها العراق بين آونة واخرى مثل الانتخابات المحلية والنيابية التشريعية..
وفي الحقيقة إن جميع تلك الأسباب إضافة الى أجندة الإرهاب (استعمال العنف لغايات سياسية بممارسات خارجة عن القانون) في تحطيم جميع البنى والمرتكزات والقواعد والأسس التي تقوم عليها الدولة العراقية مابعد سقوط نظام صدام وإفشال العملية السياسية برمتها وإرجاع العراق الى المربع الأول فهي من الممكن أن تؤخذ بنظر الاعتبار كتفسير \"معقول \" و\"منطقي\" لجميع الكوارث اللامعقولة واللامنطقية واللاإنسانية وغير المبررة والتي مازالت تحصد أرواح الأبرياء حصدا عبثيا وما يزال الفاعلون الحقيقيون ورؤوس الاجرام البعثكفيري طليقين ويتمتعون بحضانة و\"رعاية\" بعض دول الجوار دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا واحدا.
يضاف الى ذلك الفشل الاممي الواضح المتمثل بمنظمة الأمم المتحدة United Nations ومعها المجتمع الدولي ، وفشل جامعة الدول العربية ( تأسست 1945 ) في حماية الشعب العراقي ليس على صعيد الهجمات الإرهابية البربرية شبه اليومية بل فشلهما في حمايته من وحشية الديكتاتوريات المتعاقبة خاصة التوتاليتارية البعثية الفاشستية فقد فشلتا أيضا في إماطة الأذى عن الشعب العراقي جراء التدخلات الإقليمية السلبية السافرة في الشأن العراقي والمحاولات المحمومة لبعض دول الجوار والإقليمية في اسقاط التجربة العراقية الوليدة ولم تتحليا بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية الكافية في التعاطي مع الملف العراقي في مستوى تفعيلها للمطالب العراقية المشروعة في تدويل ملف الإرهاب الذي يتعرض له العراق منذ سنوات من قبل كارتل إرهابي تكفيري بعثي يتخذ من بعض تلك الدول حواضن تنطلق منها لتنفيذ أجنداتها الإرهابية المتناغمة مع أجندات الدول التي تؤويهم وتحتضنهم وتقدم لهم جميع الإمكانات الإستراتيجية واللوجستية والمادية والإعلامية والفتوائية.
إن الأمم المتحدة ومعها جامعة الدول العربية لم تكلفا نفسيهما في عقد أي اجتماع طارئ وعلى أي مستوى لمناقشة المد الإرهابي التكفيري البعثي الدموي على الشعب العراقي أو إصدار أي قرار ملزم بمحاسبة من يثبت تورطه رغم إن الأدلة التي قدمتها الحكومة العراقية إلى المنظمة الاممية تشير كلها إلى تعرض الشعب العراقي إلى عملية إبادة منظمة وجرائم حرب ذات تنظيم نوعي ذي بصمات دولية ومخابراتية مع سبق الاصرار والترصد.
في حين إن العمليات الإرهابية التي تطال الأبرياء والمدنيين العراقيين تعتبر كوارث وطنية كبرى حتى ذات الأثر الأقل ضررا لان الهدف منها واحد وتعد جرائم إبادة ضد الإنسانية ( تطلق الإبادة الجماعية على سياسة القتل الجماعي المنظمة التي عادةً ما تقوم بها الحكومات ضد مختلف الجماعات ) وجرائم حرب (وهي الخروقات الخطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 وانتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب متى ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي) في حالة وقوعها من قبل فاعلين معروفين ومشخصين من قبل الجهات السياسية والقانونية المختصة الوطنية منها والأممية ، فلم تثر الفواجع العراقية وانهار الدم التي تجري كل يوم بالمجان الاهتمام المطلوب والإجراءات الواجب اتخاذها والتعاطف الاممي والدولي والإقليمي من الناحية الإنسانية فضلا عن القانونية ومبادئ حقوق الإنسان والأعراف الدولية على الأقل وكأن الأحداث العراقية لا تعني أحدا فهي شأن داخلي ،كما يزعمون، عدا رسائل الاستنكار والتي صارت مجرد سفسطة فارغة لا تغني أو تسمن من جوع.
فعلى من تقع المسؤولية ؟ ومن هم الفاعلون الظاهرون أو المستترون ؟ فهل تعزى أسباب الزلازل الدموية إلى القصور الوظيفي والأخلاقي والإنساني للأمم المتحدة ورديفتها في الفشل جامعة الدول العربية ومعهما الوسط الإقليمي والمجتمع الدولي ؟ أم تعزى إلى التناحرات السياسية ـ كما يعلل بعض السياسيين ذلك ـ التي وصلت الى درجة تعميم نظرية الأرض المحروقة للتوصل الى نتائج متوخاة ومغانم تستقطع من أشلاء الأبرياء ام إن المواجع والمآسي العراقية ستظل تقيد ضد مجهول وتستمر الهولوكوست التي تطحن العراقيين الى ما لانهاية؟!.
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]