- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر
بقلنم:محمد توفيق علاوي
حدث لغط كبير بشأن هذا المشروع حيث هناك رفض جماهيري واسع لهذا المشروع بسبب ما يمكن ان يتكلف به العراق من مبالغ كبيرة من دون فائدة ملموسة حيث يمكن استخدام هذه المبالغ لمشاريع أخرى داخل العراق تحقق فوائد كبيرة للبلد وتوفر فرص عمل داخل العراق ، القضية الاخرى نجد ان هذا الخط سيكون قريباً من دولة الكيان الصهيوني وبالذات في منطقة العقبة وهذا قد يمكن إسرائيل من توجيه ضربة لهذا الانبوب وبالتالي تعطيله متى ما حدث أي خلاف مع اسرائيل!!!!!!!
ثم نتساءل : هل هناك فائدة من انشاء هذا الانبوب وايصاله الى مصر وإنشاء مصافي للنفط في مصر او مجمع لإنتاج البتروكيمياويات في العين السخنة في مصر كما ترشح من الاعلام ؟؟؟؟؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات هناك سؤال مركزي ومهم يجب الإجابة عليه قبل ان ندخل في صلب هذا الموضوع، هذا السؤال : (ما هو الهدف الذي يتوخاه العراق من انشاء هذا المشروع ؟؟؟؟؟)
إذا كان الجواب هو لتقصير المسافة وايصال النفط الى خليج العقبة الأقرب الى الأسواق في اوربا وإيجاد منفذ بديل عن مضيق هرمز الذي يمكن ان يغلق من قبل ايران في حالة نشوب حرب فنستطيع ان نقول وبكل ثقة: (ان هذا المشروع فاشل)
اما الأسباب؛ فصحيح ان خليج العقبة هو اقرب الى اوربا من ميناء ام قصر في البصرة ولكن هذا القرب في المسافة يحقق فائدة للعراق فقط بحدود 11 سنت للبرميل الواحد، وهذا يمكن ان يوفر للعراق بحدود 15 مليون دولار سنوياً فإذا كانت كلفة المشروع بالحد الأدنى بحدود 9 مليار دولار فلن يحقق العراق أي فائدة إلا بعد مرور ثلاثمئة سنة !!!!! لذلك فهذا المشروع من ناحية تحقيق ربح للعراق يعتبر فاشل بامتياز (لا نريد في هذا البحث ان نتناول مد الانبوب من حديثة الى البحر المتوسط من خلال ميناء جيهان في تركيا او ميناء طرطوس في سوريا الذي ليس بالضرورة ان يكون مجدياً بل الاحتمال الاكبر ان يكون فاشلاً ايضاً استناداً الى التطورات العالمية بالنسبة لاستهلاك الدول على البحر المتوسط للنفط الخام خلال فترة العشرين سنة القادمة/ يجب تعيين شركة استشارية عالمية إن أريد تبني هذا الخط لتقديم دراسة جدوى واقعية يمكن تبنيها من قبل الحكومة ومجلس النواب)، اما من ناحية إيجاد طريق بديل عن مضيق هرمز فهذا الاحتمال ضعيف جداً لأنه اكثر من 30 ٪ من الاستهلاك العالمي للنفط وبالذات شرق آسيا يمر عن طريق مضيق هرمز والعالم لا يمكن ان يصبر على اغلاق هذا المضيق، وهناك دول تربطها علاقات جيدة مع ايران كالصين وباكستان وماليزيا واندونيسيا لذلك اغلاق مضيق هرمز لفترة طويلة من الزمن يعتبر بحكم المعدوم، نعم قام صدام بأنشاء أنبوب نفط من البصرة الى البحر الأحمر عن طريق السعودية لأن ايران كانت في حالة حرب مع العراق لذلك من الطبيعي ان تغلق مضيق هرمز على السفن التي تحمل النفط العراقي في ذلك الوقت.
وهنا نتساءل هل هناك هدف آخر؟؟؟ : والجواب نعم هناك هدف آخر، حيث سيقل استهلاك النفط على المستوى العالمي بعد خمس الى عشر سنوات بحيث سيقل الاستهلاك العالمي بحدود الثلثين عام 2040 (يمكن الرجوع الى عشرات التقارير الاقتصادية الدولية التي تتناول هذا الموضوع/ كما يمكن الاطلاع على توصيات التقرير الأخير للبنك الدولي للعراق الصادر في كانون الأول عام 2022)، لذلك بدأت الدول النفطية تفكر بضمان الأسواق في المستقبل؛ حيث ان الجهات المشترية للنفط في العالم هي مصافي النفط، فقامت الدول النفطية الكبرى كالسعودية وقطر والامارات والكويت وعمان والبحرين بشراء وإنشاء عشرات مصافي النفط في مختلف دول العالم في اميركا وكندا وفرنسا والصين واليابان وكوريا وغيرها، فاشترت السعودية اكبر مصفاة للنفط في الولايات المتحدة وهي مصفاة (بورت آرثر) بإنتاج يومي بحدود 600 الف برميل وستزيد انتاجها بحيث تصبح اكبر مصفاة في العالم بحدود 1.5 مليون برميل في اليوم من المنتجات التي ستكون بديلاً عن المشتقات النفطية التقليدية (هذا مثال واحد وهناك عدة امثلة)، وهكذا قامت قطر والامارات والكويت وعمان والبحرين باتباع نفس هذه السياسات لضمان تسويق النفط في المستقبل، بل حتى الجزائر مع قلة انتاجها قامت بأنشاء مصفاة تابعة لها في إيطاليا، مثل هذه السياسات سوف لن توفر أسواق لهذه البلدان في المستقبل فحسب، ولكن سيكون لهذه السياسات اثر سلبي كبير على الدول المنتجة للنفط التي لم تتخذ الإجراءات المطلوبة كالعراق مثلاً، حيث سيصبح من الصعب على العراق تسويق ثلث ما ينتجه، لأن عشرات المصافي في مختلف ارجاء العالم التابعة للسعودية والكويت والامارات وقطر والبحرين وعمان والجزائر سوف لن تشتري النفط العراقي بل نفط الدول التي تملكها ، وبذلك فمن المستحيل ان نكون قادرين على تسويق اكبر ما نأمله وهو ثلث انتاجنا الحالي للنفط ان لم نخطط لهذا المستقبل، لذلك فإنشاء مصافي للنفط في دول خارج العراق لاستهلاك النفط المنتج في هذه الدول لاستخدامهم الخاص سيضمن تسويق نفطنا في المستقبل في هذه الدول، انطلاقاً من هذا الواقع ولتلافي السلبيات المحتملة أوجه للحكومة العراقية خمسة نصائح ان قررت المضي في هذا المشروع وهي ما يلي:
1. ان تنشأ الحكومة العراقية مصافي الجيل الجديد الخضراء للنفط داخل العراق فضلاً عن إعادة بناء مصفى بيجي (ايضاً مصافي الجيل الجديد الخضراء) بالأموال التي خصصت من قبل مجلس النواب لأنبوب العقبة بحيث يكتفي العراق لتغطية حاجاته للمنتجات النفطية من مصافي النفط داخل العراق فضلاً عن تحقق فائض للتصدير.
2. عمل دراسة جدوى من قبل شركات استشارية عالمية للإجابة على جملة تساؤلات: هل هناك جدوى اقتصادية ضمن التغيرات الاقتصادية العالمية وتطور الاستهلاك العالمي للنفط لإنشاء مثل هذا المشروع ؟؟؟؟ وإذا انشأ فما هي الفائدة المتحققة للعراق على المدى القريب والبعيد ؟؟؟؟؟ ولا تبقى هذه الدراسة سرية في أروقة وزارة النفط بل يتم نشر هذه الدراسة على باحثين ومتخصصين في المجال النفطي والاقتصادي ويتم بحث الموضوع بشفافية كاملة ، فإن تولدت قناعة بجدوى هذا المشروع فيتم الاخذ بالمقترحات في الفقرات المذكورة ادناه، اما إذا صارت قناعة بعدم وجود جدوى اقتصادية من هذا المشروع فيلغى المشروع بالكامل.
3. في حالة تولد قناعة بجدوى المشروع لدى المتخصصين فلا يجوز ان يكون العراق وحده مسؤولاً عن انشاء أنبوب العقبة مصر ولكن يجب ان تشترك الأردن ومصر في تكلفة انشاء هذا الانبوب، ولا داعي ان تخصص موازنة من يومنا هذا لإنشاء هذا الانبوب،(يمكن الرجوع الى دراسة قد نشرتها في الاعلام قبل عدة سنوات حيث قلت فيها ) ان يتم الاقتراض من مؤسسات وبنوك عالمية ومن ضمنهم البنك الدولي وبضمانة الدول الثلاث وواردات المشروع، في هذه الحالة سوف لن يكون هذا الانبوب ملكاً للعراق فحسب بل ملك للأردن ومصر فضلاً عن مؤسسات مالية دولية، مثل هذه التركيبة ستوفر لنا دراسة جدوى على المستوى العالمي (وهو امر مهم لافتقار المتصدين لهذا القطاع في العراق لمثل هذه الخبرات) ، كما ستوفر ضمانات على المستوى العالمي قبال أي استهداف من قبل إسرائيل او أي جهة تخريبية أخرى.
4. لا داعي لإنشاء مجمع للبتروكيمياويات في مصر بتمويل عراقي بل يجب إنشاء مجمع البتروكيمياويات في العراق لحاجتنا لذلك ولتشغيل الايادي العاملة العراقية ، اما في مصر فيمكن ان تنشأ مصافي للنفط بمشاركة عراقية مصرية فيكون نصفها للعراق ونصفها لمصر وبالتالي نضمن تسويق نفطنا في مصر وهو امر مجدي لكلا البلدين لحاجة مصر الكبيرة للمشتقات النفطية حيث عدد السكان 115 مليون مواطن ولحاجة العراق لسوق مضمون كالسوق المصري بعد تقلص سوق النفط العالمي في المستقبل كما يمكن انشاء مصافي الجيل الجديد الخضراء للاستخدامات المستقبلية وجزء من الإنتاج سيكون منتجات بتروكيمياوية مع التركيز على الأسمدة الكيمياوية حيث يمكن استهلاكها على مستوى واسع في مصر، سيحقق العراق فائدة كبيرة لتسويق نفطه في يومنا الحالي وايجاد سوق مستقبلي مضمون وشبه حصري للنفط العراقي في مصر، مع التأكيد على عدم جواز بيع النفط العراقي الى الكيان الصهيوني، كل ذلك يجب ان يتم ضمن اتفاقيات دولية ملزمة للطرفين.
5. يمكن بمشاركة عراقية اردنية انشاء مصافي نفطية صغيرة في الأردن نصف الكلفة من العراق والنصف من الأردن لتغطية حاجة الأردن من المنتجات النفطية، لضمان تسويق النفط العراقي الى الأردن بتخفيض معقول متفق بين الطرفين لمصلحة البلدين، ، كما يجب ايضاً الزام الأردن بعدم بيع النفط العراقي الى إسرائيل.
آمل من الحكومة العراقية ومجلس النواب العراقي الاخذ بهذه التوصيات قبل المضي بهذا المشروع المفصلي والخطير على مستقبل المنطقة والعراق بشكل خاص....
أقرأ ايضاً
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- فلسطين من الحجارة الى الصواريخ
- الجريمة المصرفية