بقلم: د. بلال الخليفة
ان العراق دولة ريعية تعتمد في إيراداتها على الإيرادات النفطية بنسبة كبيرة وان الإيرادات النفطية تعتمد وبشكل مباشر على أسعار النفط العالمية وان أسعار النفط تتأثر بعدة عوامل ومنها الكوارث والاوبئة مثل جائحة كورونا وعلى الاحداث السياسية كالأزمة الأوكرانية وهذه العوامل قد تخفض الأسعار مثل كورونا لأنها تقلل الطلب على النفط وقد ترفع الأسعار كالحرب الروسية الأوكرانية لأنها من المحتمل ان تقلل عرض النفط وبالتالي ارتفع الأسعار وكما حدث بعيد اندلاع الازمة.
ان الموازنة العامة الاتحادية تتكون من موازنة جارية بنسبة تصل لأكثر من 70 % والتي هي عبارة عن رواتب وتمشية الأمور اليومية وتكون نسبة مخصصات الرواتب للموظفين والمتقاعدين نسبة 60 % من تلك الموازنة واما الجزء الثاني فيكون استثماري وتكون نسبتها اقل من 30 % من الموازنة العامة الاتحادية.
حيث ان رواتب الموظفين تخضع لسلم الرواتب الذي اقر والنافذ هو قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم 22 لسنة 2008، حيث بين في مادته الأولى (1) نص على (يهدف هذا القانون إلى تعديل رواتب المشمولين بأحكامه بما يؤمن لهم مستوى معيشي أفضل مع ألأخذ بنظر الاعتبار المؤهلات العلمية والمنصب الوظيفي والموقع الجغرافي والخطورة وسنوات الخدمة والحالة الاجتماعية).
أي ان الهدف الأول لقانون رواتب موظفي الدولة هو ضمان المستوى المعيشي الأفضل، والحياة الكريمة وفق ما تضمنه الدستور في المادة رقم (22-اولا) (العمل حق لكل العراقيين بما يضمن حياة كريمة.
وكذلك المادة (30-اولا) من الدستور، أشار للحياة الكريمة أيضا لكن هنا وضع واجب على الدولة في كفالة ذلك وجعلها هدف له، ونص (تكفل الدولة للفرد والاسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم).
وبالتالي ان الدستور اوجب على الحكومة ان يكون الدخل ملائم للموظفين والمواطنين.
للعلم ان الأسعار والأسواق في تضخم سنوي وهو امر اعتيادي على ان يكون من 1 % الى 2 % فان قل فهذا يعني ان السوق يعاني من كساد وان ارتفع فوق 3 % فهذا يعني وجود تضخم وامور تحدث غير طبيعية للسوق.
أن سلم رواتب الموظفين بحاجة إلى تعديلات ومراجعة بعد مرور نحو 14 سنة على آخر تحديث لها وبالتالي لو فرضنا ان الأمور التي مرت بالعالم طبيعية خلال 14 سنة الماضية وهذا غير حقيقي لان العالم مر بعدة أزمات واهمها جائحة كورونا وظهور داعش، ان نسبة التضخم السنوي هي 1.6 % وفان التضخم التراكمي سيكون 1.6*14 ويكون 22.5 % أي ان الأسعار ارتفعت بهذه النسبة ويقابل تلك النسبة ان قيمة الرواتب انخفضت بنفس النسبة فلو فرضنا ان الموظف يستلم مليون دينار فان قيمة الراتب الحالية هي 775 الف دينار، ولكن يوجد عاملان اخران اثرا بالراتب وهي قيمة رفع سعر الدولار الذي زيد أسعار السلع بالسوق بنسبة 23.5 % وكذلك الازمة العالمية التي زيدت التضخم بأوروبا بنسبة اكثر من 10 % وعالميا بنسبة تصل الى 7 % وبالتالي يكون مجموع التضخم هو 22.5 + 23.5 + 7 ويساوي 53% وهذا يعني ان قينة راتب الموظف الذي يستلم مليون دينار عام 2008 أصبحت تساوي 470 الف دينار.
ان الحكومة لا تستطيع زيادة رواتب الموظفين لان جميع الموازنات السابقة تعاني من عجز مالي، ففي موازنة عام 2021 كان حجم العجز المخطط هو بحدود 28 تريليون دينار عراقي وان العجز في الموازنة التي سبقتها أي موازنة عام 2019 كان العجز المخطط لها هو 27.5 تريليون دينار، أي ان زيادة رواتب الموظفين يعني زيادة العجز وبالتالي سيؤثر ذلك على الموازنة الاستثمارية.
فمن المتوقع ان تكون موازنة عام 2023 مبنية على سعر برميل النفط 65 دولار فان الإيرادات النفطية ستكون بحدود 122 تريليون دينار وان الموازنة المتوقعة ستكون بحجم إنفاق يصل 140 تريليون دينار أي سيكون العجز هو 18 تريليون، هذا ان تم اعتماد السعر الحالي الرسمي للدولار، وان تم اعادته الى السعر القدم وهو 1182 دينار للدولار الواحد فستكون الإيرادات هي بحدود 92 تريليون دينار أي بعجز يصل الى 42 تريليون دينار.
هذا يعني ان الزيادة في رواتب الموظفين اشبه بكونه مستحيل وان رفع قيمة الدولار نقابل الدينار في نهاية عام 2019 ما هو الا وسيلة لتقليل حجم التخصيصات المالية للموازنة الجارية أي رواتب الموظفين.
لو فرضنا ان التضخم السنوي يرتفع بالصورة المثالية وهي 1.6 % سنويا وان رواتب الموظفين ستكون بعد عشر سنوات من الان ستنخفض بنسبة 16 % وهذا ان الراتب الذي يكون بقيمة 470 ألف دينار سينخفض بنسبة 16 % ويكون 405 ألف دينار.
والنتيجة لهذا السيناريو هو:
1 – ستذهب الحكومات المقبلة لرفع ثاني وثالث لقيمة الدولار لمعالجة العجز في دفع الرواتب، مع احتمالية ان الحكومات القادمة لن تعالج أحادية الريع الحالية.
2 – ان مسالة التوظيف سيقل الاقبال عليها لان الراتب سيكون عاجز عن سد الاحتياجات اليومية للموظف وتكون الظروف هي قريبة من ظروف قبل عام 2003.
اما التوصيات لتجاوز ما هو متوقع فهي الاتي:
1 – تعظيم الإيرادات غير النفطية وخصوصا الإيرادات المتأتية عن الضرائب والجمارك ومنها تلك التي تأتي من المنافذ الحدودية وخصوصا المنافذ التي تقع في إقليم كردستان كونها خارج إدارة وعلم الحكومة الاتحادية.
2 – تقليل الانفاق الحكومي وخصوصا الانفاق على رواتب الموظفين وصندوق التقاعد ومن خلال مقترح الورقة البيضاء بإيقاف التعيينات واستبدالها بإيجاد فرص للعمل للعاطلين عن طريق زيادة وتشجيع الاستثمارات والتي تحقق فرص عمل كبيرة مع وضع ضوابط لتلك الشركات بدفع توقيفات تقاعدية كي يضمن العامل فيها وجود راتب تقاعدي في نهاية الخدمة.
3 – خصخصة بعض المعامل والشركات والدوائر الخاسرة والتي تكون عبئ كبير على الموازنة العامة الاتحادية وعلى سبيل المثال خصخصة وزارة الكهرباء وتأسيس ثلاث شركات هي شركة التوليد وشركة النقل وشركة التوزيع على ان تكون شركات مساهمه ويكون الشريك الحكومي فيها مساهم بنسبة 51 % وبالتالي هذه الخطوة تقلل انفاق ما يزيد عن 15 تريليون دينار سنويا وضمان ايراد كبير للخزينة العامة، ومن الأمور التي يجب ان تتم خصخصتها هي الأندية الرياضية بأجمعها لأنها تأخذ المليارات سنويا وبدون أي ايراد فان تم خصخصتها ، وفرنا تلك التخصيصات وضمنا وجود إيرادات للدولة من خلال أرباح تلك الأندية والضرائب المفروضة عليها.
4 – تشجيع الاستثمار المحلي والاجنبي وفي جميع القطاعات ومن خلال اجراء تسهيلات كبيرة للمستثمر لما للأمر من تحريك السوق المحلي وتقليل البطالة وزيادة الإيرادات غير النفطية.
5 – جعل رواتب الموظفين والعاملين في القطاعات الأخرى ومنها الخاصة يتناسب مع مقدار التضخم الحاصل في البلد وبذلك نضمن الحياة الرغيدة التي أشار اليها الدستور. او إعادة النظر في قانون رواتب الموظفين بعد كل خمس سنوات أي انها تدخل ضمن الخطة الخمسية للدولة.
6 – الاهتمام الخاص في قطاعات الدولة الغير نفطية ومنها السياحية والزراعية والصناعية وحتى لو ذهبنا لخصخصة هذه القطاعات بالكامل.
أقرأ ايضاً
- التعدد السكاني أزمة السياسة العراقية القادمة
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- مستقبل البترول في ظل الظروف الراهنة