بقلم: إياد الصالحي
حقّقت بطولة كأس العالم في قطر 2022 الهدف الكبير من تنظيمها للفترة من 20 تشرين الثاني الى 18 كانون الأول، بإرثها المُستدام لجميع الأجيال التي ستمرّ بمنطقة الشرق الأوسط متأثرين بالبيئة الثقافيّة والإجتماعيّة التي كرّسها تعايش أكثر من 3 ملايين مشجّع على مدى أيام المنافسة العالميّة الاستثنائيّة.
الأحد، غادر المشجّعون ملعب لوسيل المونديالي في ساعة متأخّرة، وهُم مبتهجون بحسم نهائي المونديال بين البطلين الأرجنتيني والفرنسي الأكثر استحقاقاً بين الفرق المشاركة في الوصول الى منصّة التتويج عطفاً على الأداء المُذهل والنتائج اللافتة وأسلوب اللعب الذي ميّز كبار نجوم الفريقين بتاريخهم ومنجزاتهم وقدرتهم على صناعة الفارق مع لاعبي الفرق الأخرى خاصّة التي تماثلهم بالخبرة!
64 مباراة حبست أنفاس الجماهير حدّ الرُعب، ولم تُطمئِن اصحاب الألقاب والأساطير والتجارب المُثيرة في النسخ الأربع الأخيرة إلا في الدقائق القاتلة، ولم يستطع بعضهم النجاة من الهزيمة إلا بمساعدة تقنيّة الفار التي أثارت الجدل وفضحت سوء نواياها ومزاجها بعيداً عن تدخّلها الحتمي المُنصف، وعمّقت جراح بعض المغادرين من الأدوار الأولى والتالية!
لا يزال التحكيم في المونديال محطّ شُبهة فضحتها صرخات الخاسرين المُحتجّين على بعض قراراته الدالّة على أخطاء كارثيّة لا تنسجم مع انتقاء الفيفا لطواقمه بمعايير موضوعيّة ومستقلّة مثلما يؤكّد الإيطالي بييرلويجي كولينا رئيس لجنة الحكام بالاتحاد الدولي في تصريحاته الرسمية.
لم تكن بطولة قطر عاديّة كتوصيف مارٍّ عبر التاريخ، مثل بطولات لن تستوقف الباحثين عنها طويلاً، بل سيتوقّف الزمن الكروي كلّ مرّة مُستذكراً محتواها المتنوّع بدمج المجتمعات الغربيّة مع العربيّة خلال فعّاليات شعبيّة، واحتفالات عفويّة في الحدائق والأسواق والساحات البارزة للعاصمة الدوحة.
ساد الأمن التام، ولم تخترق البطولة بثلّة المُتمرّدين والمُنتهزين والمُتربّصين بأجواء اعتراضات الفرق ضدّ الحُكّام لزعزعة الاستقرار النفسي للمشجّعين وإحداث بلبلة التعصّب، وإفساد الروح الرياضيّة لجمهور كرة القدم، مثلما لا تنسى الأخيرة الأفعال المشينة للمتهوّرين الأوروبيين ومن أمريكا الجنوبية وحتى أفريقيا عبثوا في أغلب مباريات كؤوس العالم للنسخ 21، وكنّا نخشى أن يستغلَّ بعضهم حملات الأكاذيب ضد ملفّ قطر لإشاعة الفوضى على أرضها! فأكّد رجالها الأمناء على ضيوف الدولة الشقيقة سلامة خططِهم، وهدوء المناطق والأماكن السياحيّة، وخلوّ سجلات الشُرطة من الحوادث الكبيرة.
وإذ أسهمت المدى في مواكبة مونديال القرن منذ بدايات عرض ملفّه على مسؤولي الفيفا، ومروراً ببناء أفخم الملاعب والفنادق، وتحديث البنية التحتية المُضاهية للدول المتقدّمة، وصولاً الى ختام كرنفال لوسيل بلقاء الكبيرين ليونيل ميسي وكيليان مبابي وما أسفر عن مواجهتهما من تضارب المشاعر لصدمة النتيجة، فإن واقع التجربة القطريّة تستحقّ الدراسة الشموليّة من كل دولة عربيّة تروم التحضير لاستضافة حدث رياضي عالمي بخلاف مساحتها، لتقدّم للعرب نموذجاً جديداً من الإبداع العربي في القطّاع الرياضي، آملين أن يتّخذ العراق من خليجي البصرة محطّة انطلاق للبناء والتحديث بما ينسجم مع تطلّعاته لتضييف البطولات القاريّة الكبيرة مستقبلاً، وهو قادر على ذلك متى ما توحّدتْ إرادة مسؤولي الرياضة لحماية مصلحتها من الفساد والشلليّة.