بقلم: هشام الهاشمي
يمكـن الخروج باسـتنتاج محـوريّ، مفـادُهُ: أنّ حكومـة أ. عادل عبد المهدي تتمتع براحـة سياسـية فعلية؛ بفعل تريّث تحالف “سائرون” في إعلان المعارضة والمسـاندة الكاملة من تحالف البناء لهـا، وضعـف المعارضـة البرلمانيـة سواء أكان بنموذج تيار الحكمة أم بنموذج تحالف النصر، علـى الرغم مـن وجود رصد مكثف من قبل معارضة تيار الحكمة لعثرات البرنامج الحكومي، والتصريحات التقويمية التي تقـوم بهـا معارضة تحالف النصر علـى حد سـواء لكن مـن دون أن تقـض مضجعها؛ ما يفسـح لها فـي المجـال لإهمال الرصد والنصائح القادمة من المعارضة البرلمانية وفـرض مجمـل قراراتها وبرنامجها فـي العمـل والتحـرك.
إلّا أنّ الأقلية المعارضة بدون حكومةِ ظل وتحالفٍ مع الأجهزة الرقابية والهيئات القضائية والمفوضيات المستقلة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والإعلام المستقل، سيكون طريقها صعبا، وأن وجودها القليل داخل البرلمان لن يعطل المؤسسـة البرلمانيـة الساندة للحكومة، وإنما يسـاعد على إعطاء شرعية للقرارات المصوت عليها. وهذا يعني أنها ستُصاب بالعجز والشـلل؛ حيـث تصبح الأقلية المعارضة مجرد آليـة لتزكية قرارات الحكومـة فقـط ورهينة لهذا الـدور.
منطقية تحالفات الموالاة والمعارضة في البرلمان العراقي تتحكم بها طبيعة الأزمات السياسـية حول تقاسم الحصص والسلطة والثروات، التي تحكـم منطق التحالفات الحزبية الهشـة غير المبنية على منهجية ورؤية واسـعة حـول المطالـب التي يمكن أن تنسجم مع جمهور كل حزب داخل التحالف، ويـدل ذلك على غياب توافق حـول البرنامج الحكومـي الذي أعلن عنه أ.عادل عبد المهدي، والذي على أساسـه نالـت الحكومة ثقة الأغلبيـة البرلمانية؛ وبالتالي تبقـى دائما هذه العلاقـة المعقدة مهددة بالانهيار والانسحاب. وإذا نظرنـا إلـى مطالب الموالاة بحصتها في السلطة، فنجد أن هـذه الموالاة هشة من الناحيـة الترابطية؛ لأنها قامت على شروط غيـر واضحة، ومعظم أحزابها من الفواعل السياسـية الهجينة.
لا شك في أنّ أسوأ خطوة يمكن أن تقدم عليها المعارضة البرلمانية هي تخليها عن السلمية، فالمعارضة السلبية التي تسعى إلى العنف والتخريب تقضي على الديمقراطية وتهدمها.
تمثل المعارضة البرلمانية الجادة حجر زاوية لا تستقيم وسائل الديمقراطية دونها، ومهمتها الأساسية هي أن تشكل بديلا ذا مصداقية للجماهير المقاطعة والمعارضة؛ فبنقدها لعمل الحكومة ستسهم في ضمان شفافية ونزاهة وفعالية تسيير الرأي العام، وتحول دون وقوع الفساد وخرق القانون من قبل الحكومة على المال العام.
فالأقلية المعارضـة البرلمانية تسـتطيع أن تساهم في الوقـت الحـالي في المجـالات الآتية:
أولا: في صيانة الدستور، والمال العام، ووحدة تراب الوطن، وتوقير مؤسسات الدولة، واحترام الحريات العامة، وسيادة القانون.
ثانيا: في تيسير الحوارات المجتمعية والمصالحات الوطنية، وتشجيع المجتمع المدني، وتنظيم التظاهرات والاحتجاجات، والانضمام لحملات المدافعة ذات المشتركات الوطنية العامة.
ثالثا: في تأسيس حكومة الظل؛ لإنتاج تجربة عراقية. وتعمل حكومة الظل بصورة رسمية؛ لتقصّي عثرات وثغرات البرنامج الحكومي.
رابعا: في أنه من حق المعارضة البرلمانية، رصد وجمع الوثائق؛ لنقد ومراقبة عمل الوزارات واستجواب رئيس الحكومة والوزراء في أي شأن من شؤون الدولة، وفق آليات دسـتورية وقانونيـة، وتقـديم المقترحـات والبـدائل؛ لتصـحيح الخطأ والخلل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن على المعارضة البرلمانية أن تحترم وتعترف بسلطة الحكومة التوافقية، وتتعاون مع الحكومة؛ لأجل إنجاح البرنامج الحكومي؛ فهي لا تقوم بالمعارضة البرلمانية؛ لأجل المعارضة فقط؛ بل إن المعارضة البرلمانية تشكل جزءا متمما للتوافق السياسي حكومةً وبرلمانا.
هل فشل نموذج الديمقراطية في العراق؟
إن أهم تحدٍّ يُميّز أيام حكومة أ. عادل عبد المهدي هو البطالة المكثفـة، وتراجع التربية والتعليم، وهشاشة الحلول التنموية، وتقوية نموذج المحاصصة الحكومية. أمـا الاحتفاء بالإنجازات الأمنية وتبجيلها، فهو إنجاز أساسُهُ ما تحقق في حكومة الدكتور العبادي. ويُحسب لحكومة عبد المهدي اختيارها لـ “٦” وزراء لديهم استقلالية حزبية.
وإن كـان ثمـة شيءٌ في أيامنا هذه يمكن أن يجعلنا نفكر في الوضع الاقتصادي الثقيل على الفقراء، فالثروات المالية الكبيرة التي لا يستهان بها والموضـوعة تحـت تصرف أولئك الذين مازالوا يمتلكون السلطة والحصانة التي تمنع نفاذ القانون عليهم، قد يُلجئ المواطن إلى خيارات غير ديمقراطية عنيفة؛ من أجل التغيير.
بيـنما يصرح أنصار رئيس الحكومة بأن: كتلة المعارضة السلمية لا تملك القدرة على أن تؤسس مشروعا منطقيا للمعارضة الجادة، وتفتقر للوسائل التي تمكنهـا مـن فهـم المشـاكل المعقـدة لإدارات الحكومة، فضلا عن إيجاد الحلول؛ بل يذهب أحد مستشاري رئيس الوزراء إلى حد التوصية بجعل حق المعارضة محدودا ومقـتصرا عـلى المعارضة البرلمانية، أو بتيار سـياسي لم يشارك في انتخابات ٢٠١٨ يكون هو من يتكلف بإدارة برنامج الاحتجاجات والتظاهرات.
ويـذهب أحدهم، أبعد أيضا عندما يقرر بأن المعارضة الشعبية المستقلة وحدها من يحق أن يقال عنها معارضة، في القرارات الحكومية، والبرامج السياسية، والحريات العامة.
في المقابل يرى تيار واسع من القانطين، أن المعارضة – بكل أنواعها – هي قضايا ليسـت أساسـية في شيء، وأن الإلحاح في المطالبة بها، كما تفعل الأحزاب في الدول الديمقراطية، بالنسبة للعراق هي تعبير عن تخدير مدمر لمنهج التغيير الفعال.
غير أن المفارقة – مع ذلك – تكمن في الخطورة الكبيرة لوضع إعادة النظر هـذه في قانون ١.٩ سانت ليغو إذاما وُضع موضـع التطبيـق؛ ولـذلك، سـيكون مـن الأجدى معارضته من قبل الأحزاب الصغيرة، والتيارات المطالبة بالتغيير عبر الانتخابات؛ لأن المضي إلى الانتخابات مع هذا القانون يعني إفراغ الديمقراطية من مضمونها ومعناها وتحويلها إلى حكم إقطاعيات الأحزاب المسيطرة منذ عام ٢٠٠٥، وهكذا ستعود إلى السلطة النخبة المستفزة لفئات شعبية واسعة.
والواقع أنّ السطوة التي تمارسها الأحزاب الكبيرة والغنية في أيامنا هذه، هي مـن القـوة بحيـث أن قانون ١.٩سانت ليغو الانتخـابي ومع تزوير الصناديق الانتخابية الذي لم يفارق أي جولة انتخابية، سَيُلـزم الطبقات المعارضة السلمية، بأن تصمت، كأمر واقع، تاركا المجال فسيحا – فقط – للمنافسة داخل نخبة الأحزاب الكبيرة المحدودة، وهذا يعني: تراكم الفساد، والمشاكل، وتعقيد الغضب الجماهيري بالضد من الديمقراطية ووسائلها.