- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ماذا يعني مصطلح (الأجهزة القمعية)؟
حجم النص
بقلم مصطفى فريق الفتلاوي
بعد عام 2003م ظهرت كثير من المفردات والمصطلحات التي لم يسمع بها العراقيون سابقًا ولم يعرفوا معانيها وأخذت تلك المفردات تظهر على وسائل الإعلام وبين الناس حتى صار بعض منها مَثارًا للسخرية والتهكم والبعض الأخر صار مثارًا للحساسية والجدل سياسيًّا وطائفيًّا واجتماعيًّا. ومن هذه المصطلحات التي ظهرت هو مصطلح (الأجهزة القمعية) وهو واحد من أكثر المواضيع حساسية ومثارًا للجدل بين العراقيين، وعادة ما يطفو على السطح بين وقت وآخر لا سيما عندما يُثار الحديث عن حقوق وامتيازات السجناء السياسيين ومحتجزي رفحاء. ولرب سائل يسأل من هي الأجهزة القمعية؟ أجابت المادة الأولى في فقرتها الثامنة من قانون الهيأة الوطنية للمساءلة والعدالة رقم 10 لسنة 2008م على ذلك إذ نصت على أن الأجهزة القمعية هي (أجهزة الأمن العام والمخابرات والأمن الخاص والأمن القومي والأمن العسكري والحمايات الخاصة والاستخبارات العسكرية وفدائيو صدام في ظل النظام البائد) وبذلك فإن مصطلح الأجهزة القمعية ينحصر فيما ورد ذكره في نصّ المادة الأولى لا غير. وهذه الأجهزة سُمّيت بالقمعية لأنها كانت يد النظام الضارية في قمع ومطاردة وملاحقة معارضي النظام وفرض سيطرته وحكمه الدكتاتوري على الشعب العراقي، فقد كان للعاملين في تلك الأجهزة القمعية دور كبير في اضطهاد وظلم أبناء الشعب العراقي ومحاولتهم إضعاف الشعور بالمواطنة والانتماء إلى الوطن بحسب ما ورد في الأسباب الموجبة لتشريع القانون. والتساؤل الثاني هو هل أن منتسبي الأجهزة القمعية مشمولين بالحقوق التقاعدية؟ أجابت المادة السادسة من ذات القانون في فقرتها الثالثة على (إنهاء خدمات منتسبي الأجهزة القمعية وإحالتهم على التقاعد (وبذلك فإن منتسبي الأجهزة القمعية مشمولين بالتقاعد ويتقاضون رواتبهم التقاعدية حاليًّا.. والاستثناء الذي ورد على ذلك هو (فدائيو صدام) فإنّهم غير مشمولين بالحقوق التقاعدية بحسب نصّ الفقرة رابعًا من المادة السادسة التي منعت شمول الفدائيين بالتقاعد، على اعتبار أن تنظيم الفدائيين لم يكن جزءًا من الجيش العراقي وإنما يرتبط برئاسة الجمهورية وحزب البعث مباشرة؛ إذ تأسس هذا التنظيم باقتراح من نجله عدي وتحت إشرافه وهو أشبه ما يكون بمليشيا عسكرية. من ذلك تبين لنا أن منتسبي تلك الأجهزة قد تمّ شمول كثير منهم بالحقوق التقاعدية وفقًا للقوانين النافذة، فيما تمّ إعادة أعداد كبيرة منهم إلى الوظيفة العامة سواء المدنية منها أم الأمنية والعسكرية ضمن جهود المصالحة الوطنية في عهد حكومة المالكي فقد كان ملف اجتثاث البعث وحدًا من أكثر الملفات السياسية والاجتماعية تعقيدًا وحساسية بين المكونات السياسية والاجتماعية للشعب العراقي. أما شمول الفدائيين بالحقوق التقاعدية فقد حصل فيه تطور مهم لا سيما بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم 220 /اتحادية / 2022 والمؤرَّخ في 8/2/ 2023 م والتي طلب فيها المدعي من المحكمة في عواه الحكم بعدم دستورية الفقرة رابعًا من المادة السادسة، وردّت المحكمة الدعوى لسبق الفصل فيها إلا أنّها قضت فيه ضمنًا أن المنع الوارد في الفقرة الرابعة من المادة السادسة ليس مطلقًا وذلك من طريق تفسيرها لنص الفقرة الرابعة من المادة السادسة آخذًا بنظر الاعتبار الجانب الإنساني ومبدأ المساواة في الحقوق الذي جاء به الدستور العراقي لعام 2005 فقد ورد ما نصّه في القرار المذكور (لذا تجد هذه المحكمة أن البند (رابعًا ) من المادة (6) من قانون الهيأة الوطنية للمساءلة والعدالة لا يتضمن حرمان المواطنين من حقوقهم التقاعدية لفترة خدمتهم خارج الفدائيين من الذين تمّ نقلهم إلى تلك القوة بناء على أوامر أداريه أو عسكرية) ويُفهم من هذا النصّ أنّ المحكمة الاتحادية قد قسمت الفدائيين إلى فئتين هما: الفئة الأولى: وتشمل هذه الفئة العسكريين والموظفين المدنيين الذين جرى نقلهم من وظائفهم إلى تشكيل الفدائيين قسرًا من دون إرادتهم بناءً على أوامر عسكرية وإدارية، ولهم خدمة وظيفية أو عسكرية سابقة، فهؤلاء يتمّ منحهم حقوقهم التقاعدية لمدّة خدمتهم خارج تشكيل الفدائيين إذ إن مدة خدمتهم في الفدائيين لا تعدّ خدمة لهم ولا يستحقون عليها أية حقوق، وكان المدعي من بين هذه الفئة إذ قضت المحكمة بشموله بالحقوق التقاعدية. الفئة الثانية: وهذه الفئة تشمل الذين تطوعوا بكامل إرادتهم وبناءً على رغبتهم للعمل في تشكيل الفدائيين، فهؤلاء ليس لهم حقوق تقاعدية وهم المقصودين بالمنع الوارد في الفقرة رابعًا من المادة السادسة. وأخيرًا بقي أن نقول: إن تفسير المحكمة الاتحادية لنصّ قانوني يكون ملزمًا للكافة، ويعدّ جزءًا من القرار، وبالتالي فإن ما تتضمنه قرارات هذه المحكمة من مبادئ وتفسير لنصوص قانونية عند نظر الدعوى يكون ملزمًا للسلطات والأشخاص كافة استنادًا إلى أحكام المادة (94) من الدستور العراقي وبحسب ما أوردته المحكمة في نص قرارها، والمحكمة في تفسيرها هذا قد أوجدت حلاًّ لمشكلة كبيرة لها تبعاتها السياسية والاجتماعية على المجتمع العراقي فهي قد فسّرت نصّ الفقرة (رابعًا) تفسيرًا واسعًا قيدت فيه من عموم النصّ وأخرجت من نطاق سيريانه بعض الحالات، على الرغم من الانتقادات التي وجهت لها بعد أن أصدرت حكمها هذا من لدن الجهات المتضررة من النظام السابق لا أن حكمها يبقى نافذًا وملزمًا للجميع . للمزيد من المعلومات والتفاصيل يراجع المصادر التالية: * قانون الهيأة الوطنية للمساءلة والعدالة رقم 10 لسنة 2008 *
موقع ويكيبيديا على الإنترنيت https://ar.wikipedia.org/wiki/ *
موقع المحكمة الاتحادية على الإنترنيت https://www.iraqfsc.iq/index-ar.php