- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المولد النبوي الشريف ... فرصة للتوحد
حجم النص
بقلم:عباس الصباغ هنالك عدة اهتمامات تؤخذ بنظر الاعتبار والتقدير والتبجيل والتقديس والتعظيم والتفخيم وذلك في سياق الاحتفال السنوي التقليدي بذكرى المولد النبوي الشريف من ضمنها عظمة وفخامة وجلالة المحتفى به وهي عظمة مركزية ومحور تقديس ستراتيجي شامل لدى جميع المسلمين ومن اولوياتهم القصوى وبكافة مدارسهم الفقهية ومصادرهم الاصولية ومشاربهم العقائدية واتجاهاتهم المذهبية..يضاف الى ذلك المراسيم الطقوسية المستنبطة من الفلوكلور المتوارث ابتداء بالاستعدادات الاستباقية المتنوعة من اظهار الفرحة العارمة بالمناسبة العطرة وليس انتهاء بالممارسات الاحتفالية المعاصرة والمظاهر الحداثوية المتناغمة وروح العصر...والاعتبار الاهم الاكثر اهمية وجدلا ان المركزية المقدسة التي يتمتع بها صاحب الذكرى صلى الله عليه وآله وسلم والتمركز المحوري والاستقطاب التفخيمي من جميع المسلمين حول شخصيته العظيمة ، ان كل ذلك للاسف الشديد والالم الممض لم يحُل دون ان لا ينحاز المسلمون دون التعكز على خلفياتهم التدوينية والمتعلقة بخبر الولادة الميمونة المباركة في ذلك اليوم الاغر السعيد. ومن المفروض وفي الحد الأدنى من "التوحد" المجمع ليس حول المقاربات الفقهية والاصولية المقارنة بين المذاهب الاسلامية فهذا اكبر من الطموح بكثير ودون المتوقع، ولكن يجب ان يكون التوحد بما يخص المناسبة الجامعة التي تخص ولادة الشخصية المركزية التي يتمركز حولها المسلمون وهذا لم يحصل... في العراق نجد احتفالين يندرج كلاهما في اطار اسبوع الوحدة الاسلامية وتحت يافطة التقريب بين اتجاهين لم يسعفهما الحظ لينعتقا من إسار التشظي المذهبي الخانق... وفي هذا السياق يقام احتفال سنوي مهيب بالمولد الشريف في الثاني عشر من ربيع الاول من كل عام بالتوقيت يقيمه أخواننا أهل السُنة والجماعة الذين يمثلون غالبية الامة الاسلامية (امة محمد) وفي السياق ذاته يحتفل الشيعة في السابع عشر من الشهر نفسه بالمناسبة الشريفة اياها..اي بعد خمسة ايام من الاحتفال "السُني" وكلا الطائفتين تعتمدان في احتفالهما على حزمة روايات مبثوثة في مصادرهما وتتمتع بقيمة وثائقية وارشيفية لا تقبل النقاش والجدال فضلا عن فحواها القدسي وجوِّها الروحاني المعطر بشذى النبوة واريج الرسالة وكاريزما النبوة الفذة.. كما جرت العادة في بغداد ذات الاختلاط المذهبي المتواشج والمتلاقح والمتناسل منذ تاسيسها ولحد الان ان يجرى احتفالان حجز بينهما نهر دجلة جغرافيا وفصلت بينهما خمسة ايام زمانيا وانفصمت بينهما عرى التوحد مذهبيا..حيث وفي الجانب الشرقي يجرى احتفال في الكاظمية المقدسة نسبة الى موسى بن جعفر الامام السابع عند الشيعة الجعفرية الامامية وفي الجانب الغربي احتفال في الاعظمية نسبة الى الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفي..احتفال عند بوابة امام الشيعة وآخر عند بوابة امام السُنة والفاصل الجغرافي بينهما ليس بكبير والشوط الزمني ليس ببعيد لكن الشرخ المذهبي والاسفين الطائفي اكبر بكثير من امتداد الجغرافيا واستطالة الزمان وأكبر من النوايا الحالمة باستغراق التشظيات نحو التوحد المتناغم مع رومانسية صادقة.. بل ان الشرخ قد تغوَّل في التدوين الذي لم يخرج عن اطار التسليم المطلق ب"ثوابت" قد تكون من اكبر المغالطات المؤرشفة من ذوي النوايا السيئة ومن وعاظ السلاطين والطائفيين..ومازال شبح هذا الشرخ مادا اذرعه على ثقافة ومخيال الناس منذ العصر الاسلامي الاول ولا مجال لالغاء جميع الحواجز "التدوينية" على الاقل واقامة احتفال نبوي واحد وبدون نكهة طائفية، ينصهر فيه جميع المسلمين في بودقة تعد النواة الاولى لتوحيد آرائهم في حدها الادنى الا وهي مناسبة المولد النبوي الشريف..اما اساليب المجاملة في "التشارك" في احياء الاحتفالات كنوع من التضامن الطائفي والغاء التناشز المذهبي فهي لم تتجاوز الحد المقبول من الغاء التشتت والرهان على الهوية الوطنية والاسلامية التي يحاول البعض ان يصوغها ويعيد ترتيبها وطنيا واسلاميا من خلال هذا التشارك..فان كانت هذه المناسبة الشريفة لم تجمع "المتشاركين" داخل اطارها التفاعلي الحقيقي فكيف يكون بإمكان الهوية الوطنية والإسلامية ان تفعل ذلك؟!.. اما كان من الاجدر من قبل علماء المسلمين كافة ومن نخبهم المتنورة والمثقفة الرجوع الى الاصول التاريخية للتحري عن اسباب الاختلاف الحاصل في توقيت المولد النبوي الشريف بدل التقوقع داخل شرانق تدوينية طائفية أخذت قدسيتها من تلك الفترات التي عاشها المسلمون في ظل الاسلام السياسي وجور السلاطين والحكام الذين حكموا باسم الشريعة المحمدية السمحاء، وكيف ولماذا حصل هذا الخلاف او الاختلاف؟!! ان بعض الذاهبين بعيدا في التفاؤل يحاول وبحسن نية ان يجعل من الذكرى الشريفة منطلقا لتوحيد المسلمين ومن خلال اسبوع "الوحدة" الإسلامية وهذا في نظرنا لا يكفي بدون توحيد المنطلق التاريخي الذي يكون بموجبه توحيد الرؤى والأهداف ومن ثم الاحتفال الذي يليق بهذه المناسبة العطرة..أليس من المخجل والمؤلم ان يختلف المسلمون حول أولى أبجديات إسلامهم ويتفرقون في الخطوة الاولى في مضمار عقيدتهم ؟وان كان الاحتفال بهذه المناسبة يستوجب اقامة اسبوع للوحدة الاسلامية فكم من اسبوع ستحتاجه بقية المسائل والقضايا الخلافية ؟! فما هي جدوى آليات التقارب بين المذاهب الاسلامية وماهي جدوى احياء التقريب بينها اذا لم يكن بوسع المسلمين الاتفاق المبدئي على تاريخ جامع لولادة نبيهم وهم في ذلك (كل حزب بما لديهم فرحون ـ الروم 32)!!
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً
- البيجر...والغرب الكافر