مازالت كينونة الدولة مفاهيميا وفلسفيا واجرائيا ملتبسة بكينونة الحكومة / السلطة ومازال المشوار طويلا أمام النخب السياسية فضلا عن الرأي العام للانعتاق من إسار الدولة / السلطة الى فضاء الدولة / الامة ومازال المجتمع المدني / الاهلي يعيش بعيدا عن إرهاصات المجتمع السياسي هذا ما كشفت عنه التجاذبات السياسية في السباق الماراثوني المحموم نحو تشكيل الحكومة المرتقبة والتي لو قدر لها ان تتشكل وفق ما يتطلع اليه الناخبون وحسب ما طرح في برامج السياسيين الانتخابية فانها ستكون اولى الخطوات باتجاه المشروع السياسي الاكثر نضوجا من المشاريع التي سبقته وضمن الحراك السياسي المستمر والفاعلية الديمقراطية التي بدأت تترسخ شيئا فشيئا في البلد .
هنالك بون ـ مازال شاسعا ـ مابين ما يجب ان يتطلع اليه السياسيون المنضوون تحت يافطة العملية السياسية نحو ضرورة الدولة (الدولة هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة ) وبين ما يطمحون اليه من ضرورة الحكومة التي هي( السلطة التي تمارس السيادة في الدولة لحفظ النظام وتنظيم الأمور داخليا وخارجيا تتألف من أجهزة ومؤسسات الحكم في الدولة التي تقوم بوضع القواعد القانونية وتنفيذها مشتملة على أعمال التشريع و التنفيذ و القضاء ) فضلا عن ضرورة الممارسة العملية والاجرائية للسلطة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) فالمعادلة ما بين مايجب ان يتمأسس ويعمل به (ضرورة الدولة) وما بين يتنافس حوله السياسيون ومايطمحون اليه (ضرورة الحكومة / السلطة) تبدو معكوسة او بعيدة المنال في احسن الاحوال عمّا يتطلع اليه الشارع العراقي المنهك بحزمة من التداعيات الأمنية والمعاناة المترتبة عن المشاكل الخدماتية والمعيشية فضلا عن سلبيات ملفات الفساد الاداري والمالي التي ماتزال مستحكمة بالكثير من هياكل الدولة ومفاصلها ناهيك عن اشكاليات المحاصصة والتوافق السياسي والحزبوي ما اثر سلبا على مجمل الاداء الحكومي واضعف من هيبة الدولة ونأى بالكثير من الكفاءات والتكنوقراط عن اداء ادوارهم الفاعلة في عمليات البناء واعادة الاعمار والتنمية والاستثمار واعادة تأهيل وانتاج البنى التحتية اللازمة لذلك والمساهمة في تطوير القطاعات الاخرى المرادفة للقطاع النفطي الذي اتسم به الاقتصاد العراقي بالسمة الريعية المزمنة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن المنصرم ولحد الآن.
وهنا تكمن ضرورة الدولة كخيار لابد منه ومقدمة ضرورية وأولوية استراتيجية يجب ان تتقدم على جميع الاهتمامات والانشغالات والاشتغالات والجدالات البيزنطية والتخندقات الفئوية والفيتوات المتقابلة والآيدلوجيات المتصارعة حول توزيع المناصب والفوز بالحصص الدسمة والتوافقات التحاصصية ضمن برامج الصفقات التي يراد بها ارضاء جميع \"الشركاء\" على حساب اولوية الدولة باعتبارها الحاضنة الجامعة لجميع اطراف التعاقد الاجتماعي وعلى حساب الناخب الذي ادلى بصوته من اجل اداء حكومي يوفر له الحد الادنى من متطلبات الحياة كالامن والخدمات والتعليم وان كان من حقه حدود اعلى بكثير مما هو عليه الان ، وهذا السباق من قبل النخب السياسية ليست فيه أية اشارة على القبول بدور المعارضة مايدل على ان ضرورة الدولة ليست هي الشاغل الاول من قبل هذه النخب .
ان الدولة هي البودقة التي تنصهر بها كافة التطلعات النخبوية والجماهيرية وهي الاساس الذي تتمركز حوله جميع الحراكات السياسية والفعاليات المجتمعية وينصهر فيها المجتمع السياسي المنبثق عن المجتمع الاهلي فتكون ـ اي الدولة ـ هي الغاية المتوخاة من اي حراك او فعاية وليس العكس وذلك اذا ما اريد انتاج دولة مدنية وعصرية طالما داعبت تجلياتها مخيلة العراقيين الجمعية وهم ينظرون ليس فقط الى العالم المتقدم وهو يخوض غمار التطور الدؤوب والمستمر على جميع الانساق ومنها النماذج الدولتية المتطورة او التي في تطور مستمر باعتبارها الستراتيجية المتقدمة على جميع الاستراتيجيات الحكومية او السلطوية وهم ينظرون ايضا الى دول الجوار وبقية دول الشرق الاوسط وهي تتخذ طريقها وإن بنسب متفاوتة في هذا المجال والكثير من هذه الدول لم تكن بذات الاهمية الجيبولوتيكية او الجيوستراتيجة التي يتمتع بها العراق ومع هذا فقد عبر الكثير منها الحاجز الحكوماتي / السلطوي نحو الافق الدولتي وهذا ما يؤمل من الطبقة السياسية العراقية ان تفعله بعد ان تؤمن به .
إعلامي وكاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- إضحك مع الدولة العميقة