- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العراق وعلوة حمدان.. إلى أين؟
بقلم: حسين فرحان
انتشرت في مواقع التواصل الإجتماعي مقاطع مرئية لرجل عراقي بصري وهو يعترض بشدة ويحتج بحرقة قلب على واقع خدمي بائس في مكان عمله (العلوة النموذجية) في البصرة.. صور الرجل بكاميرا الهاتف النقال مشاهد معينة وبدأ بالتعليق عليها بعبارات ساخرة تظهر حجم معاناته ورفضه لأن يكون كالحيوان -وحاشاه من ذلك- لكنها نبرة حادة يريد منها أن يوصل صوته لمسامع جهات فقدت سمعها بل تعمدت أن تفقد سمعها أمام كل صرخة استغاثة تستعين بالجهد الحكومي.
استقطع البعض من التافهين جزء من كلماته وركبوا عليها مقطعا راقصا فامتعض الرجل واستنكر قائلا: أترقصون على جراحنا؟
حكاية واحدة من ملايين الحكايات يسردها هذا الرجل البصري.. فكم من حكاية لم تُرو لنا بعد؟
وكم من مأساة لم يهتف بتفاصيلها هاتف الحزن؟ وكم من جزء مهمل من هذه الأرض لم يسلط عليه ضوء الحقيقة الكاشف لأسراره؟
حكاية إهمال (العلوة النموذجية) في البصرة هي ذاتها حكاية العراق بأسره.. العراق المتآكل الذي يعيش بلطف الإله وتدبيره ولولا العناية التي لاحظته عيونها لانهار كل شيء فيه وما يدريك فلعل القوم سيعجلون عليه بدورة انتخابية قادمة تلم شملهم مرة أخرى تحت قبة برلمانه لا قدر الله.
ومما يثير الحنق والغضب وكثير من التساؤلات هو أن تتبجح الحكومات باستضافتها لمؤتمرات ومعارض دولية وبطولات رياضية وتمارس ترف تلك الدول التي قطعت أشواطا كبيرة في إنجاز البنية التحتية لخدمة شعوبها فلم يعد لديها سوى أن تعيش الرفاهية وتفتخر بمنشآتها، فماذا يمتلك العراق سوى بنية تحتية متهالكة قديمة.. سدوده توشك على الإنهيار، وشوارعه من أسوأ شوارع العالم.. وعاصمته مصنفة على أنها الأسوأ للسكن والحياة، ومنشآته الصحية لا تمت للمنشآت الصحية بصلة، وزراعته رهينة غزو الطعام المستورد، ونخلاته أصبحت نخيلات، والتخطيط فيه منقرض انقراض الديناصورات، وسكانه يتمددون أفقيا نحو العشوائيات التي قضت على التخطيط العمراني وتقطيع البيوت الكبيرة وتشكيلها بنحو تشبه فيه أقنان الدجاج وتصنع فيه تلك المتلازمة بين المؤجر والمستأجر وصناعة الهم والغم.
لاشيء في بغداد سوى شارع المطار الأخضر الذي يراد منه خداع الوافدين بأن البلاد خضراء وعامرة كهذا الشارع.. لا شيء فيه سوى وزارة كهرباء وطنية تثبت مع كل صيف فشلها الذريع.. ولا شيء في البصرة سوى عطش وملوحة ونفايات وملعب جذع النخلة الذي يفترض به أن يكون رمزا لنخيلها الذي فقدته حربا وتجاهلا وإهمالا.
لا شيء في الناصرية سوى تمثال الحبوبي الذي لو قدر له أن يرجع لأحرق ما كتب وكتب ما يحرق الفؤاد على ما يرى في مدينته وبلده.
لا شيء في العراق.. سوى آثار بابلية وسومرية وثور مجنح ونواعير ومدن أثرية نامت تحت التراب ولم تظهر إلا في تصريحات أولئك اللصوص وهم يتبجحون بحضارة الحرف الأول التي تستنكر وجودهم وتستنكر ادعائهم الانتماء إليها، فأنى لجاهل أن يفتخر بالحرف والكلمة وأنى لسارق أن يدعي النزاهة وسلامة الضمير من شوائب خيانة العهود والوعود الانتخابية ؟
لم تكن كلمات هذا الرجل المنتفض على تقصير الجهات ذات العلاقة في تنظيف (العلوة) التي يعمل بها سوى صرخة كل غيور لا يريد أن يكون حيوانا.. بل يريد العيش بكرامة.. يريد لنفسه ولأبنائه أن ينعموا ببلد كسائر البلدان، لا مجرم يحكمه فيقتل شعبه، ولا لص يسرقه.. كل ما يريده هذا الرجل وغيره أن تتخلى هذه الأحزاب عن المحاصصة، وتتخلى عن عقلية المتفضل بالعطاء.
وتتخلى عن البحث عن الصفقات.. وتتخلى عن صناعة الحمقى ومنحهم الكراسي وتوزيعهم على المناصب بطريقة مقيتة لا تراعى معها المهنية والخبرة والشهادة.
ينبغي أن نتأمل كثيرا في واقعنا المرير.. فالطغيان والفساد وجهان لعملة واحدة، ومن عانى من الطغيان بالأمس هو من يعاني اليوم من حقبة مظلمة من الفساد الذي يهدد المنظومة الأخلاقية بالإنهيار.. والإقتصادية بالإنهيار..والحياة بالإنهيار حيث كل شيء يحتضر حتى الأنهار صارت تحتضر، وببقاء هذه الوجوه التي لم تجلب الخير سيبقى صاحب الشكوى يصدح بصوته دون جدوى في (علوة حمدان النموذجية) لا ينصت إليه أحد.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي