عباس الصباغ
تتضارب الانباء بين الدوائر المعنية حول الامن المائي العراقي مابين المشجّعة على الاطمئنان وبين المثيرة للقلق ، ولكن الصور التي بثتها وسائل الاعلام حول الشحة الحاصلة في نهري دجلة والفرات ونزول مناسيبهما لاتشجّع على الارتكان الى السكوت وهو موضوع خطير جدا بل من اهم المواضيع ، يعدّ الامن المائي لأي بلد جزءا من منظومة الامن القومي له ، فان الامن المائي العراقي منتهك من جهتين الاولى عدم وجود اي اتفاقية مائية مع دول الجوار (دول المنبع) تؤمّن حصة العراق من المياه المطلوبة لإدامة الحياة فلم تفكر اية حكومة عراقية بعقد اية معاهدة من اجل ذلك كونه من (دول المصب) التي تعاني باستمرار من ذات المشكلة التي يعاني منها العراق ، على سبيل المثال مصر والسودان في قضية سد النهضة الأثيوبي ، والامر الثاني عدم وجود سياسة وطنية ملزمة لترشيد استهلاك المياه والهدر فيها اضافة الى التجاوزات المتكرر يوميا التي تحدث بين الفلاحين والمزارعين بالتجاوز الكيفي والعشوائي على الحصص المائية المقررة لهم.
والجانب الاخر من المشكلة قلة السدود المقامة على نهري دجلة والفرات في حين استغلّت دول كثيرة ـ منها دول الجوار العراقي والمتشاطئة معه ـ مواردها المالية والمائية وراحت تتسابق مع الزمن والظروف لانشاء السدود ونجحت بذلك ، وبقي العراق متأخرا جدا في هذا المضمار ، فلم تستغلّ جميع الحكومات العراقية المتعاقبة تلك الموارد ومازالت مليارات الامتار المكعبة تتسرب هدرا الى مياه الخليج ، وعموما وبعيدا عن الخطابات الانشائية الرومانسية فان الشحّة الحاصلة في المياه لاتحلّ فقط بالمفاوضات او طاولات الحوار والمجاملات البروتوكولية واللقاءات المخملية بل بوضع استراتيجيات شاملة تتبنّي تامين حصص مرضية لجميع الاطراف وفق المواثيق الدولية وسياسة حسن الجوار منها سياسية تقاسم الاضرار المعمول بها عالميا وهي بحاجة الى حلول جذرية وخطط استراتيجية تنهض بالواقع المائي بما يومّن الامن المائي القومي للبلد في الحاضر والمستقبل لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المياه وتحقيق معدلات متعارف عليها بشكل مستقرّ كحد ادنى ، و ايضا لغرض الوصول الى تحقيق الامن الغذائي المرتبط ارتباطا مع الامن المائي وكلاهما يشكلاّن عنصرين اساسيين من عناصر منظومة الامن القومي وهما لايقلّان خطورة عن التهديدات العسكرية والامنية وغيرها. الواقع المائي العراقي مازال يعاني من اهمال البنية التحتية للمياه كالسدود ومحطات التحلية وعدم وجود اليات استراتيجية وقانونية ملزمة لترشيد استهلاك المياه فضلا عن وضع برامج لتقنين وتنظيم السقي بين المزارعين والفلاحين.
الامن المائي العراقي بقي متأرجحا بين التأمين والتطمين والمهم هو سد حاجة المواطن العراقي في ابسط متطلبات عيشه وهو الماء .